الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الحلقة الأولى أزمة التقارير المزورة رؤية تحليلية وسياسية مجتمعية ـ الشيخ والمفكر الاسلامي محمد حسني البيومي الهاشمي


أزمة

التقارير

المزورة

رؤية تحليلية وسياسية مجتمعية

الحلقة الأولى

http://elzahracenter.wordpress.com/2010/08/29

Posted on 2010/08/29 by مركز أمة الزهراء "ع" للدراسات | تحرير

هذه الدراسة بحلقاتها الأربعة هي الباب الخامس من كتابنا : الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي ..

صدر في غزة هاشم صيف 1992 ميلادية

المفكر الاسلامي الشيخ

محمد حسني البيومي الهاشمي

( الحلقة الأولى (

المدخل إلى القراءة

التوطئـــة

{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } يوسف33

إن التعبير اليوم عن الأزمة هو الذي يدفعنا إلى البحث والقراءة في جوهر عمق الأزمة .. وأمام هذا الخضم من واقع التردي المذهبي والحزبي والتنظيمي نكتشف أن ضحايا الأزمة كواقع نفسي وسياسي وتاريخي هو نابع في حقيقته من طيات حركة التخلف المجتمعي ، ولحل في ضوء هذه الإشكاليات لا بد لنا أن نحدد جوهر هذه الإشكاليات ودوافعها وأسبابها .. وذلك من خلال تشخيص هذه الأزمة وقلم النكبة وأن حقيقة جوهر الانهيار الحادث : إنه التقرير المزوروهو الذي يتقدم اليوم ومن جديد كشاهد الزور المكرس .. وأحد أخطر شواهد الانحراف الأخلاقي ومعول الهدم في أيادي شرطة الدجال العالمية ومخابراتها في مملكة الزيف المكرسة .. وأمام مساحة المنحرفين لا بد أن يرتفع صوت الزيف مسجلا .. ومهما تعددت أشكال وصور الزيف وأساطين النكبة يبقى التقرير المزور هو عين الدجال الساهرة والمعبر عن قدرته العظيمة في تحطيم جدر العدل وبناء الثقة إلى أسوأ حالة من الانهيار.. الجميع اليوم وأمام مساحة الانهيار يقف ليسجل وسبابته تؤشر نحو الخصم .. وان مسجل التقرير المزور وهو شاهد الزور عبر كل مراحل التغيير وعمر الثورة يقف خادما لحكومة الشيطان الخفية المعلنة .. ونحن أمام عمق المساحة لا نقف لنسجل تاريخ وشخوص ضحايا الأزمة بل نقف عميقا لتحليل التقرير بصفته عنصر التحول في تشكيل الظاهرة حيث أصبح التقرير المزور وأمام واقع الزيف المكرس يعبر عن كلية حالة الجور والإضلال المكرس ، من هنا لا بد أن ندخل في عمق الظاهرة ولا بد لبيان محدداته من وعي التحليل النفسي وخلفيات التاريخ ومساحة السياسة كما قراءة أسباب الظاهرة ودوافعها النفسية والتاريخية والمجتمعية ، وحتى نقف عند حدودها لابد من الدخول من بوابة المصارحة خدمة لوعي الأمة وقوفا عند ثقافة النور البديلة .. وعند حدود النور والوعي لا بد أن ينقشع حدود الظلام من قلب الحالة .. من هنا فإن قراءتنا الجديدة القديمة تقدم اليوم البعد الحقيقي ودوافع الحالة .. إنها ثورة القداسة البديلة هي وحدها القادرة على محو كلية الزيف ولغة المؤامرة عن تقريرنا إلى جو الصراحة كل الصراحة .. وهذه القراءة تتناول من جديد الأبعاد النفسية والمجتمعية والأمنية في الحالة المرادة .. وحتى يكتمل مشروع البدر لا بد من المراجعة لشروط نهضتنا وقراءة الجوانب السلبية في تقاريرنا ، وأن ثورتنا الحضارية لا يمكن أن تتحرر نحو النور بدون عوامل الإحاطة لكل جوانب حالة الانحطاط .. وفي نظرنا وكما عبرنا قبيل خمسة عشر عاما وفي كتابنا : الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي ..

أن التقرير المزور هو معول الهدم لثورتنا ومجتمعاتنا وهنا تكمن عمق الأزمة ..

والقراءة التي بين أيدينا هي بحق مخاض لتجربة سياسية ونضالية ومجتمعية لها وجودها واعتبارها التاريخي في الساحة الفلسطينية ..

وهذه التجربة هي ثمار الشخصية الوحدوية في الأمة وهي من الأمة الى كل الأمة .. بلا حدود .. وبلا حواجز حزبية ومذهبية

.. وهي لا تمثل بالمطلق أية وجهة طائفية أو حزبية.. ولكنها بالتمام تمثل الفكر المنحاز لكلية الجماهير ..

بقلمي

الشيخ محمد البيومي الهاشمي

فلسطين

14 أكتوبر 2009

المدخل وتعريف التقرير :

التقرير هو مادة معلوماتية تقدم مكتوبة أو بالمشافهة ، أو بالاتصال الالكتروني المستحدث .. الهدف منها تقديم الوصف الدقيق للحالة المقابلة بدون عواطف أو إسقاط للنزعة الذاتية أو الشخصية ، بهدف نقل الحالة الثورية إلى الحالتين الإيجابية أو السلبية ، وبالتالي فإن التقرير هو سيف ذو حدين ومادة مقدمة عن رغبة من جهة عليا لجهة أقل منها . وغالبا ما يكون التقرير كتعبير عن حالة إدارية أو هيكلية يستلب فيها البعد الفردي للحالة الكلية أي نقل الحالة الفردية لقوة الضغط الجهوية . ومن هنا فالتقرير يحمل مادة معلوماتية في كل الأحوال وقراءة أحوال التقرير الغائي ومركباته هو الذي يحدد طبيعته وأهدافه ولهذا فإن المؤسسات المحدودة والكلية تندفع بتسجيل التقارير وفقا لمخططات مؤسسية المفترض أن تكون متجهة نحو البناء الحضاري ، وفي كل هذه الأحوال يكون التقرير مادة للبناء المؤسسي بغض النظر عن اتجاهاته السلبية والإيجابية ، وعليه فالتقرير هو العمود الفقري للمنظومات المعلوماتية وهو التجسيد التصوري الشمولي عن حالة الأفراد وحالة التعبير التحليلي والنفسي عن الحالة المرادة وقراءة لحاله الميول الاتجاهية . وسواء كانت على المستوى الأمني أو المؤسسي العلمي أو المجتمعي أوالمنظومات العالمية والدولية فهي التي تعتمد في سياق شبكاتها وأجهزتها على المعلوماتية على تجنيد جيوش من الأفراد وتمويلها وفق مخططات هذه المنظومات وأهدافها وميولها ، ولهذا يجب تحديد القراءة في التقرير المسجل بأنه منذ البداية مادة للهدم أو مادة للبناء . وعلى هذا الوعي يفهم من التقرير الحضاري بأنه هو المنزوع من أي بواعث غير أخلاقية وهو الذي يستهدف بناء الحالة وفق رعاية ربانية وتدقيق نفسي فيه الخشية والحرص على مصالح الأمة . وحتى يكون التقرير ربانيا لابد أن يخضع في دوافعه ونتائجه لمرضاة الله وحدة . والهدف المحدد له هو إيجاد صيغة بنائية بحيث لا يخضع للمجاملة أو الضغوط الذاتية المقابلة ، والتقرير الرباني هو كما ذكرنا المتجرد من جميع البواعث التي من شأنها حرف المسيرة الأخلاقية للأمة وخلق حالة انحراف في طبائعها الفطرية والإنسانية والتوجه بها نحو الشذوذ المضاد ، وبالتالي يلزم لضمانه أن يكون التقرير الأمني المجتمعي أن يسجل التقرير بروح الورع والتقوى حتى يصل إلى درجة الكمال والشفافية .

وخلاصة القول فإن التقرير يعبر على الدوام عن حالة مقدمة ويكشف عن صياغة أبنيته ودوافعه وسيكولوجيته الذاتية ، وحتى تكون جميع هذه الاتجاهات منطلقة من الدوافع الإيجابية يلزم أن يكون التقرير ربانيا في أقواله وأوصافه امتثالا لقوله تعالى :

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } : فصلت33

ومن هنا يقف التقرير بين كل هذه المنظومات الدافعة بين حدي الفكر الإنساني وفكر المؤامرة . وهو الذي يقدم حالة البناء من بين اتجاهات ثقافة المؤامرة والتراجع .. ولهذا اتجهت قراءتنا الأمنية والنفسية في دوافعها مراعاة الشرائط الإيمانية وتناول المقدس في مكوناتها وأن تكون جوانحها هي قوة الضبط الشرعية والأخلاقية ضمانة منا لسيادة الثورة الأخلاقية في مجتمعاتنا ولذا وجب أن يكون مسجل التقرير واقفا بين حدي الفكر البنائي والتدميري .. [ فكر المؤامرة ]

لا ثالث لهما .

ولضمان أن يتكون الاتجاه بالتقرير نحو الطبيعة الإنسانية لزم وجود قراءة تحليلية ونفسية للتقرير البنائي وأن ظروفنا المحيطة بأشواك فكر المؤامرة الشيطانية وغياب الرحمة الإلهية في تقاريرنا اليومية يدفعنا نحو ضرورة هذه الصياغة التربوية .. سيما وأن هذا المبحث منذ الأساس ومنذ تسجيل مقدماته في الانتفاضة الأولى في قلب الأرض المقدسة .. كان يشكل خطوة نحو التربية الأمنية والثورة الأخلاقية .. قدمها المؤلف من خلال تجربته القيادية الغنية في الانتفاضة الأولى في قلب فلسطين ومشروعها المقدس .. وأن هذا المبحث للأمانة العلمية هو جزئا من كتاب موسع أصدره المؤلف في يوميات الانتفاضة الأولي .. وهو الباب الخامس من الكتاب المعنون طيه :

[ الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي ] [ بكسر الغين] وحتى لا يكون التقرير مضللا ومتسربلا بثوب القدسية في مبرراته التمويهية لزم أن تغطي حالتنا روح التقوى الراسخة في أبنيتنا فهي الضمانة لدحض كل أشكال التسربل الديني المزيف وتغطية ثقافة المؤامرة بثوب القدسية أي إحلال المقدس لمركبات الزيف ، وهذه أخطر أشكال المؤامرة الشيطانية التي يقودها الدجال في زمن الفتنة .. ولهذا كان التقرير حاسما في تبيان الخيار الحف من فكي كماشة فكر الدجال وفكر الأزمة .. وهو بحق رؤية تحليلية موسعة لحالة الوعي السياسية وصورة لضرورة مراجعة أبجدياتنا وأوراقنا المبعثرة وسط الزحام الحزبي المعقد ، والذي في غالبه يرتكز على التكثيف من غطاء التبرير الديني والسياسي لحالة التراجع والإخفاق والأزمة ..

ولهذا فإن مسجل التقرير إما أن يكون تقيا رساليا في مراميه ودوافعه وإما أن يكون من رجال الدجال الماسونيين المغموسين في سياسات الحقد التلمودية ولا بد هنا أن ندرك أنه ليس هناك حدود وفواصل بين هوية مسجل التقرير .. فإما أن يكون يهوديا [ الصهينة الفكرية العربية ] ومتطبعا بالفكر والثقافة المعادية وإما أن يكون تقريره معاكسا للمخططات المعادية ، وهذا ما يؤكد نظريتنا ودوافعنا منذ البداية ..

أنه وفي زمن السنين الخداعات التي نعيش بين دفتيها اليوم لزم أن نملك الرؤية القادرة على الثورة السياسية القادرة على البناء المجتمعي . وتحقيق التوجه الفطري والإنساني الرباني المعاش على مستوى عقولنا وثقافتنا .. وان حالة ثورية أخلاقية تندفع بقوة في هذا الخضم هي السبيل والمخرج نحو الإعلاء من رؤيتنا التحريرية.. ورؤيتنا الانسانية . وفي السياق قسمت هذه القراءة الهامة في مجموعة من المقدمات استهدف جمعها تحقيق المنهج الأمني التربوي في سياساتنا ومنظوماتنا .. ولهذا كان خطاب السلامة الأمنية هو التحقيق للمنهج الإلهي في المركب الإنساني بعيدا عن تفسيرات البشر والقراءات الفوضوية والحزبية الأنوية والتي كان خطاب السلامة الأمنية في سراديب المخابرات العربية ومكاتبها ، وهو كذلك الطوق الاستعبادي لثقافة الأمة التحررية ، بثقافة القيود وبطش القيود والسلاسل ، ألم نقرأ من علامات الساعة هو [ كثرة الشرط ] : [ كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها في الجنة وسائرهن في النار ؟ قلت : ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا كثرت الشرط وملكت الإماء وقعدت الجملأ [ الجملاء ] : ومنه حديث فضالة :

[ كيف أنتم إذا قعد الجملاء على المنابر يقضون بالهوى ويقتلون بالغضب ] .

الجملاء : الضخام الخلق . انتهى . ] (1)

إنهم من يمثلون حالة الوجهاء الموكلين لحماية منظومات التجزئة وحسابات المستكبرين .. إنها سلامة الوجهاء والأبوات الثوريين المفلسين سلفا !! والتي تدور في الفلك العربي النظامي !! وهو النظام المعقد والذي يغلف كل مؤسساتنا وفكرنا تحت غطاء الثقافة التطبيعية .

_____________________________________________

(1) الهيثمي : ( مجمع الزوائد ) ، الجزء : 7ص 323 الوفاة : 807 ، المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه سنة الطبع : 1408 – 1988 م ، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ملاحظات : طبع بإذن خاص من ورثة حسام الدين القدسي مؤسس مكتبة القدسي بالقاهرة = ا لكتاب : معجم أحاديث الإمام المهدي (ع) المؤلف : الشيخ علي الكوراني العاملي الجزء : 1ص 39الوفاة : معاصر سنة الطبع : 1411 المطبعة : بهمن الناشر : مؤسسة المعارف الإسلامية – قم = الكتاب : المعجم الكبير المؤلف : الطبراني الجزء : 18ص 51 الوفاة : 360 ، المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ القسم العام تحقيق : تحقيق وتخريج : حمدي عبد المجيد السلفي الناشر : دار إحياء التراث العربي [ مأخوذ من هامش كتابنا : ( بين يدي الساعة رؤية جديدة ) ، تحت الطبع .

الباب الأول

علاقة التقرير بفكر الغيبة

في كتابنا : الغيبة في المصلح الشرعي والسياسي : ذكرنا أن الغيبة هي نتاج لحالة المركب النفسي المبني على الكراهية والحسد وهي داء الأمم وقد أجملها النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم بقاعدة [ ذكر أخاك بما يكره ] و [ الغيبة : اسم مصدر وهي ذكر المؤمن بما يؤذيه في ظهر الغيب مع وجود تلك العيب المستور فعلا . وإلا فهو البهتان . قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هل تدرون ما الغيبة ؟ قال الله ورسوله أعلم . قال : ذكرك أخاك بما يكره . قيل : أرأيت إن كان في أخي ما أقول ، قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، فإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته . ] (2)

و [ الغيبة : أن تذكر أخاك من ورائه من عيوب يسترها ، ويسوءه ذكرها : فإن كان صدقا سمي غيبة . وإن كان كذبا سمي بهتانا . - بإجماع المسلمين : هي ذكرك أخاك بما يكره ( الغزالي ، وقد نقله النووي في الأذكار ] (3)

وتعريفات الغيبة تعبر عن ثقافة كلية منحرفة عن قواعد السلوك والضبط الأخلاقي ..

وهنا كان التقرير الكاذب والمزور هو الإفراز لكل أشكال الثقافات المنحرفة

[عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة فقال ذكرك أخاك بما يكره قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ] .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) المصطلحات المؤلف : إعداد مركز المعجم الفقهي الوفاة : معاصر المجموعة : مصطلحات ومفردات فقهية ص 1905

(3) أبو حبيب ، الدكتور سعدي : ( القاموس الفقهي ) ، ص 280 ، الوفاة : معاصر ، المجموعة : مصطلحات ومفردات فقهية الطبعة : الثانية سنة الطبع : 1408 – 1988 م

الناشر : دار الفكر – دمشقسوريا ملاحظات : تصوير 1993 / طبع بطريقة الصف التصويري والأوفست في دار الفكر – دمشق – سوريا = ابن حنبل ، الإمام احمد : ( مسند احمد ) ، الجزء : 2 ، ص 384 ، الوفاة : 241 المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ قسم الفقه، الناشر : دار صادر – بيروت – لبنان

.. وبسنده .. عن العلاء بن عبد الرحمن يحدث عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله سلم أنه قال : هل تدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته قال أبو عمر رواه جماعة عن العلاء

كما رواه شعبة سواء وهذا حديث يخرج في التفسير المسند في قول الله عز وجل :

( ولا يغتب بعضكم بعضا ) ] (4(

[ كما أن تعريف المصباح بقوله : اغتابه إذا ذكره بما يكرهه من العيوب وهو حق ، والاسم الغيبة ، يكون تعريفا بالأخص . وإن كان المراد من الموصول في التعريف الأوصاف المذمومة والأفعال القبيحة الصادرة من المقول فيه ، ويقربه التعريف المتقدم من المصباح خرج عن الغيبة ما لا يشك أحد كونه منها ، كذكر الغير بالأمور المحرمة التي ارتكبها عن رغبة وشهوة ، من غير أن يشمئز منها ومن ذكرها ، وعليه فلا يكون التعريف المذكور جامعا للأفراد . والتحقيق أن يقال : إنه لم يرد نص صحيح في تحديد مفهوم الغيبة ولا تعريف من أهل اللغة كي يكون جامعا للأفراد ومانعا للأغيار ، وعلى هذا فلا بد من أخذ المتيقن من مفهوم الغيبة وترتيب الحكم عليه ، وهو أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، وأما في المقدار الزائد فيرجع إلى الأصول العملية . ] (5(

_____________________________________________

(4) ابن عبد البر : ( لتمهيد ) : الجزء : 23 ، ص 21 ، رقم 4912 ، الوفاة : 463 ، المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ القسم العام تحقيق : مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري ، سنة الطبع : 1387 المطبعة : المغرب – وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الناشر : وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية = الشامي ، الصالحي : ( سبل الهدى والرشاد ) ، الجزء : 9 ، ص 237، الوفاة : 942، المجموعة : مصادر سيرة النبي والأئمة : تحقيق : تحقيق وتعليق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، الشيخ علي محمد معوض ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1414 – 1993 م ، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت (5) الخوئي ، السيد : ( مصباح الفقاهة ) ، الجزء : 1 ، ص 508 ، الوفاة : 1411، المجموعة : فقه الشيعة من القرن الثامن ، الطبعة : الأولى المحققة ، المطبعة : العلمية – قم ، الناشر : مكتبة الداوري – قم

والتقرير المزور الكاذب هو في الختم التعريفي خلاصة أدوات الغيبة كحالة تضاد مع الثقافة الإنسانية وعن [ زيد بن علي ، عن آبائه ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : تحرم الجنة على ثلاثة على المنان ، وعلى المغتاب ، وعلى مدمن الخمر ] .

و [عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه رفعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : وهل يكب الناس في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم . - وعن فضالة ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه

معصية لله وحرمة ماله كحرمة دمه . ورواه الصدوق في ( عقاب الأعمال ] (6(

والتقرير المزور وعلاقاته بمركبات الغيبة هو الذي يحقق الرغبات الابليسية الملعونة والتي من شأنها تحطيم أواصر المركبات المجتمعية وأواصر المحبة من خلال قطع أبنية التراحم ومن هنا كان :

[ لأزمة التقارير السلبية في العمل الثوري أو البنائي تنطلق في حد ذاتها من أزمة الواقع ، وأزمة التركيبة القاعدية التي تدفع بالتقرير لأن يكون في حد ذاته أزمة !! ويخضع في دوافعه ومقرراته ومحتوياته لظاهرة الغيبة المحرمة شرعا .. فإذا كان تعريف الغيبة في المفهوم النبوي :

[ ذكرك أخاك بما يكره ] فيكون قد اشتمل على قراءة شمولية لدراسة شرائح الحالة المجتمعية ، وقراءة الدوافع لهذه الكراهية .. ومن هنا كان الوعي الإدراكي بدوافع الكراهية في التحليل النفسي هو الضرورة في بيان جوهر التقرير المزور والثقافة

______________________________________________

(6) الحر العاملي : ( وسائل الشيعة (الإسلامية) ، الجزء : 8 ، رقم 11 ،ص 599 ، رقم ( 16315 ) ، الوفاة : 1104 ، المجموعة : مصادر الحديث الشيعية ـ قسم الفقه تحقيق : تحقيق وتصحيح وتذييل : الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي ، الطبعة : الخامسة ، سنة الطبع : 1403 – 1983 م ، الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان

الزائفة .. وهكذا فإن التقرير المزيف يشكل حالة من الغيبة المزمنة ، إذا كانت دوافعه غير بنائية ومنطلقة من اعتبارات شخصية وذاتية ، أي لا يستهدف التعبير عن جوهر الهدف الجمعي الاجتماعي أو السياسي ، وبالتالي يخضع إلى نتائج الكراهة في

الاعتبار الذاتي أو المقابل وتشكيل قاعدة :

[ ذكرك أخاك بما يكره ] : التصور العام للصياغة الشمولية للتقرير في أوصافه وألفاظه وتعبيراته سواء كانت الكراهة سياسية تنطلق من البغضاء والحسد :

[ لا تباغضوا ولا تحاسدوا ] أو تعبير عن الواقع الفردي أو الجمعي الاجتماعي .. وبالإجمال فإن الدخول من بوابة الكراهة يفضي إلى نتائج غير محمودة ، كون الغيبة ظاهرة مدمرة لا تسهم إلا في تدمير الأبنية والجدر الثورية والوشائج المجتمعية ، وهكذا يشكل التقرير تعبير عن حالة الأزمة الواقعية والنفسية ويشكل حالة مرضية في العمل السياسي أو الاجتماعي ليصل في النهاية لإشكالية مجتمعية وظهور حالة فوضوية في البناء ذات الانسجام .. وقراءة ممعنة وتحليلية لمئات وآلاف التقارير ـ الأزمة ـ تكشف عن واقع خطير في محتوى هذه الملفات من خلفيات

سياسية أو طائفية مذهبية أسهمت منذ قرون في تشكيل حالة الانفصام الذاتي بين القراءة الإنسانية البشرية من جهة والقراءة الغائية من جهة ،

وهي التي كانت تقف وراء هذه الأبنية الفاسدة في مجتمعاتنا .. ففشت المقررات والتقارير الفاسدة في تشخيص فكر الفتنة من خلال تحويله إلى واقع معاش ومجزئ واليوم يتم تجزيء المجزأ على خلفيات الفتن الطائفية والمنظومات الحزبية .. وعلامة فارزة من علائم الدجال في وعينا وثقافتنا ، أو هو ما يغطى اسمه في تفاسيرنا الدينية ، فيما عرف بالإسرائيليات !! ومن هنا أصبحت التقارير الفردية في تشخيص حالات الانقسام والتجزئة تعبر عن حالة وتعبيرا مدمرا أسهم ولا زال يسهم في تقويض المحتويات البنائية ويفرغ الجوهر إلى حالة من التسطيح والثقافة الهامشية والقيادة الغافلة والغائبة عن أصول عقيدتنا وهويتنا . إنها بالمفهوم الحديث والمصطلح [ ثقافة شرطة الدجال المعاصرة ] !! يهتم بالنزعة والكم ولا يهتم بالغاية الجمعية والمصالح العامة لحركة الخلق الإنسانية أو تقديم تشخيص واقعي أمين من شأنه توحيد الأمة والأفراد على ثقافة موحدة !!

وحتى لا يكون التقرير هو حالة للغيبة الشمولية لابد أن يكون ربانيا وأخلاقيا في أشكاله ودوافعه وبعيدا عن الظن والغيبة : قال تعالى :

{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } : يونس36

وهكذا نتجه إلى هدف واحد وهو أن يكون التقرير منهجيا تقيا { إنما يتقبل الله من المتقين } ، وحتى يكون التقرير منهجيا ايجابيا لابد أن يتحرر من كل الدوافع والأشكال التي تخالف الحكم بغير ما أنزل الله تعالى :

{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } : النساء65

فالتسليم في القرار هو الامتثال في الدوافع السلوكية والنفسية لله تعالى وحده ، فإذا كانت النفس تندفع من القرار والاستقرار الرباني يكون تقريرها إيجابيا ومنهجيا ، فالتقرير المنهجي بهذه الحالة هو الذي يتجاوز الحالة الأزموية إلى الحالة البنائية الربانية فالقرار والتقرير هو من أخطر الظواهر البنائية وغياب القرار المنهجي الرباني هو الذي يدفع بانهيار الحالة البنائية الثورية .. ويغيّب الروح بشفافيتها عن عمق توصيف الحالة ..

التقرير في المنظور القرآني :

: التقرير القرآني هو الكلمة الربانية الخالصة في النفس والسلوك بهدف تصعيد النفس والحالة للمنظور القرآني ، وحينما تنحرف الكلمة ينحرف القرار وتسقط المعايير الثابتة ، وهوما يمكن فهمه من خلال الوصف القرآني : في قوله تعالى :

{وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } : إبراهيم26

: والوصف الإجمالي للآية الكريمة يتحدد في غياب [ القرار] وغياب القرار هو غياب العمود الفقري والمركزي في الحالة ، ويعني هذا تغييب المنهج في عمليات التحديد الاتجاهي للحالة فبداية الآيات الكريمة في قوله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء }إبراهيم24

وهي حالة قرآنية وصفية لمنطلقات التقرير أو الكلمة الطيبة ، وعندما يقول النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : [ الكلمة الطيبة صدقة ] فهو ينسجم مع قوله تعالى { كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } أي التعبير الوصفي للكلمة هو تعبير عن الجوهر الذاتي للإنسان أو تعبير عن الحالة المقابلة، ومن هنا فالقرار هو [ الكلمة ] والكلمة هي أصل النور الخلقي المحمدي وهي المتوحدة في كل الأشكال الإنسانية

{ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } إبراهيم25

وهذا هو جوهر الكلمة الطيبة في المساقات الإنسانية حيث تصعد نحو العلى في ثوب الطهر والقداسة وهذا هو مفهوم [ الصدقة ] في فلسفة المصطلح و الكلمة النورانية ..

[ الكلمة الطيبة صدقة ] والتعبير التسجيلي للكلمة هو تعبير عن الجوهر الذاتي للإنسان .. وفي المقابل الكلمة الخبيثة هي النقيض الأبدي للكلمة الطيبة :

{ قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } المائدة100

، أي لا توازن ولا توازي بين المصطلحيين القرآنيين ، والثناية القرآنية في مكل القرآن تحدد الأحادية الالهية في الفعل والخيار البشري .. وطغيان [ الخبث ] هو تأصيل لروح المفسدة ، وهي التي تدفع بزوال كل المعاني الإنسانية من أحوال الكلمة الطيبة ومركباتها الإنسانية . وإذا غاب المركب الإنساني من الكلمة الطيبة لم تجد سوى الحالة الخبيثة هي البديل .. وبالتالي يفقد الأمان من الحالة : أي يعني بغياب الشاهد الإيجابي [ التقرير ] غياب الاستقرار وهذا هو مفاد قوله تعالى :

{ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } : إبراهيم26

وفي التفسير للكلمة الخبيثة يوازيها حتمية الاجتثاث وهو القطع من الجذور وهذا هو حال الكلمة الخبيثة المفسدة في التقرير المزور

{ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } أي أن القرار وديمومته غير محتوما في البقاء .. وغياب القرار وهو الامداد الالهي الرباني للحالة هو الذي يجتث الحالة ويجعلها حالة أزموية تقف عكس الحالة الربانية في السلوك أو الحالة التنفيذية للمقررات الربانية .. وفي كل الأحوال الكلمة الطيبة كما في التفسير هم آل البيت النبوي عليهم السلام وهم : الثقلين اللذان لا ينفصمان ..

[ كتاب الله وعترتي وأنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ] (7(

[ .. عن زيد بن أرقم ، قال : لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال :

" كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " ثم قال :

" الله مولاي وأنا ولى كل مؤمن " ثم أخذ بيد على فقال : " من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " . فقلت لزيد : سمعته من رسول الله صلى الله

عليه وسلم ؟ فقال : ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه .

______________________________________________

(7) نفس المصدر السابق : ( سبل الهدى والرشاد ) ، الجزء : ، 11ص336 : الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1414 - 1993 م المطبعة الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت – لبنان = الحلبي : ( السيرة الحلبية ) : الجزء : 3 ص 336 الوفاة : 1044 المجموعة : مصادر سيرة النبي والأئمة سنة الطبع : 1400 المطبعة : بيروت - دار المعرفة ، الناشر : دار المعرفة = القندوزي ، سيلمان : ( ينابيع المودة لذوي القربى ) : ، الجزء : 1 ، ص 74 ، الوفاة : ،1294 المجموعة : مصادر سيرة النبي والأئمة تحقيق : سيد علي جمال أشرف الحسيني الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1416 ، الناشر : دار الأسوة للطباعة والنشر

تفرد به النسائي من هذا الوجه . قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح . ] (8(

يسقط مشروعية الكلمة الطيبة فيكون التقرير الفعلي أو السلوكي للقرار سلبيا ، يقول ابن كثير رحمه الله :

ولزومية خط الثقلين هو ضمانة الخروج من الأزمة .

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى :

{ مثل كَلِمَةً طَيِّبَةً }: شهادة أن لا اله إلا الله { كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } وهو المؤمن { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } يقول لا إله إلا الله في قلب المؤمن { وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء } أي يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء حيث نزلت من مستقرها الأزلي وهي النبوة .. وكون الآية انتهت بقوله تعالى :

{مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } فهو ربط الكلمة الطيبة بحالة القرار وغياب القرار

: [ هذا مثل الكافر لا أصل له ولا ثبات فشبها بشجر الحنظل ] (9(

وقوله : [ اجتثت : هو من الاجتثاث وهو تعبير عن الاقتلاع من الجذور ،

(8) ابن كثير : ( السيرة النبوية ) ، الجزء : 4 ، ص 416 ، الوفاة : 774 ، تحقيق : مصطفى عبد الواحد سنة الطبع : 1395 - 1976 م ، الناشر : دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان = الطبراني : ( المعجم الأوسط ) : الجزء : 4 ص 34 الوفاة : 360 المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ القسم العام : تحقيق : قسم التحقيق بدار الحرمين سنة الطبع : 1415 - 1995 م الناشر : دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع = النسائي : ( السنن الكبرى ) : الجزء : 5 ، ص 45 رقم 8148 ، الوفاة : 303 المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ القسم العام ، تحقيق : دكتور عبد الغفار سليمان البنداري : وسيد كسروي حسن الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1411 - 1991 م الناشر : دار الكتب العلمية بيروت - لبنان

(9) ابن كثير : ( تفسير ابن كثير ) : المجلد الثاني ، ط دار المعرفة ، بيروت ، ص 53 ، تفسير : سورة إبراهيم ، الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع

أي الاستئصال للحالة القولية أو السلوكية من فوق الأرض ما لها من قرار وهو نداء الهي لاستئصال حالة الغيبة الشريرة المندفعة من الذوات السيئة ..

ومن هنا فإن قراءة أشكال فكر التقرير المزور والكاذب لا بد من تفهم قراءة فكر الغيبة ، والتعمق في طياته بهدف مجانبته هو وحده الذي يصنع حالة ثورة داخلية في مواجهة كل أشكال الباطل وامتداداته من الأجهزة والمنظومات الباطلة وهنا لا تكون عملية الثورة ضد التقارير المزورة بقدر ما يكون ثورة ضد حملة هذا الفكر الزائف وفكر المتعاونين مع أعداء الأمة ..

وهذا التوجه هو الذي يجيء في سياقات مفهوم الاجتثاث في القرآن الكريم ..

فالثبات في سياق القرآن للمؤمنين :

{ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }إبراهيم27

أي أن الحالة الإيمانية في الأمة هي المرشحة لخيار الثبات والإيمان ومناحي أيديولوجية المواجهة ، وأن حتمية الضلال هي التي تتمثل في الأهواء وجماعات المنحرفين عن قضايا الأمة .. وهم النائون عن قضايا الجماهير

{ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }.. فالثبات إذا هو لأهل الحالة الثورية الحضارية وللذين يملكون القول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة .. ولمن يملكون القرار والتعبير عنه وفق مرضاة الله تعالى بعيدا عن أساليب الدجل السياسي أو التآمر التنظيمي السائد وبعيدا عن الكذب والميكافيلية في العلاقات القاعدية الجماهيرية ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة1

وما ينهى عن الكذب حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه :

[ قال النبي صلى الله عليه وآله : تقبلوا إلي ست خصال أتقبل لكم الجنة : إذا حدثتم فلا تكذبوا ، وإذا وعدتم فلا تخلفوا ، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا ،

وغضوا أبصاركم ، واحفظوا فروجكم ، وكفوا أيديكم وألسنتكم . ] (10(

[ وعن ابن مسعود رضي الله عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال :

[ألا إن شر الروايا روايا الكذب وإنه لا يصلح من الكذب جد ولا هزل ولا أن يعد الرجل صبيه ثم لا ينجزه ألا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وإن الصادق يقال له صدق وبر وإن الكاذب يقال له كذب وفجر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد ليصدق فيكتب عند الله صديقا وإنه ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ألا هل تدرون ما العضة هي قال وقيل هي النميمة التي تفسد بين الناس ] (11)

[ وقام علي ، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أيها الناس ، أملكوا أنفسكم ، كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم ، فإنهم إخوانكم ، واصبروا على ما يأتيكم ، وإياكم أن تسبقونا ، فإن المخصوم غدا من خصم اليوم . ثم ارتحل وأقدم ودفع تعبيته التي قدم فيها ، حتى إذا أطل على القوم بعث إليهم حكيم بن سلامة ومالك بن حبيب : إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو ، فكفوا وأقرونا ننزل وننظر في هذا الأمر . ] (12)

وقال الامام الصادق عليه السلام :

[ كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا ، قولوا للناس حسنا ، واحفظوا ألسنتكم ، وكفوا عن الفضول وقبح القول . ..

(10) الطبرسي ، علي : (مشكاة الأنوار ) ، ص 302 الوفاة : ق 7 المجموعة : مصادر الحديث الشيعية ـ القسم العام تحقيق : مهدي هوشمند الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1418 ، المطبعة : دار الحديث الناشر : دار الحديث

(11) الطبراني : ( المعجم الأوسط ) : الجزء : 8 ، 32 ، ص الوفاة : 360 ، المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ القسم العام ، تحقيق : قسم التحقيق بدار الحرمين ، سنة الطبع : 1415 - 1995 م ، الناشر : دار

(12) الضبي ، سيف بن عمر : ( الفتنة ووقعة الجمل ) : ص 151 ، الوفاة : 200 ، المجموعة : مصادر الحديث السنية ـ القسم العام ، تحقيق : أحمد راتب عرموش ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1391الناشر : دار النفائس - بيروت

وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

[ لا يصلح من الكذب جد ولا هزل ، أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له ، والكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، وما يزال أحدكم يكذب حتى يقال : كذب وفجر ، وما يزال أحدكم يكذب حتى لا يبقى في قلبه موضع إبرة صدق فيسمى عند الله كذابا . ] (13(

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى :

في شرحه للآيات : ” ويضل الله الظالمين بظلمهم وشركهم ” والظلم يكثر استعماله في السياق القرآني لمعنى الشرك .. وبعدهم عن النور الهادي ، واضطرابهم في تيه الظلمات والأوهام والخرافات وإتباعهم مناهج وشرائع من الهوى لا من اختيار الله .. يضلهم وفق سنته التي تنتهي بمن يظلم ويعمى عن النور ويخضع للهوى والتيه والشرود .. ” وفي شرحه ” مالها من قرار ” يقول رحمه الله ” يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة بكلمة الإيمان المستقرة في الضمائر ، الثابتة في الفطرة المثمرة بالعمل الصالح المتجدد الباقي في الحياة .. ويثبتهم بكلمات القرآن وكلمات الرسول ويوعد للحق بالنصر في الدنيا والفوز بالآخرة .. وكلها كلمات ثابتة صادقة حقه , لا تختلف ولا تتفرق بها السبل ولا يمس أصحابها قلق ولا حيره ولا اضطراب . (14)

ولهذا جعل الله نهاية القرار السلبي نهاية غير محمودة بسبب تناقضه مع المنظور الشرعي وهذا يتضح في قوله تعالى في نفس السورة :

{ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ } : إبراهيم29

(13) الريشهري ، محمد : ( ميزان الحكمة ) ، الجزء : 3 ، الوفاة : معاصر، ، تحقيق : دار الحديث ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع ، المطبعة : دار الحديث ، الناشر : دار الحديث

(14) سيد قطب : ( في ظلال القرآن ) : تفسير سورة إبراهيم ج4/2098 ، 2099 = كتابنا : آل البيت في ظلال القرآن : شرح السورة ، ” تحت الطبع .

فالقرار أو التقرير الإلهي لكل أشكال المنحرفين هو جهنم والعياذ بالله .. ولهذا كان القرار الإلهي هو من نوع القرار الأرضي السلوكي للفرد أو الإنسان .. فالله تعالى حين يقرر يكون قراره وفق إمكانياته العليا التي تتجاوز الحالة الشرية الأزموية .. فالله تعالى حين يقول في سورة المؤمنين :

{ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ }المؤمنون13

والقرار المكين هو الاستقرار المؤيد بالرحمانية الإلهية والتي يكون فيها الإنسان في البداية والنهاية في قرار المعية الإلهية ، أي وفق قرار رباني جاد ومرتكز على منهجية ربانية عليا تؤكد على عمق القرار ذاته ..

و{ مكين } تعبير عن القوة ، وهو مطلب رباني بلزومية صحة القرار الآدمي والإنساني ومطابقته للواقعية القرآنية .. وهنا يلزم أن يكون التقرير والقرار الإنساني ذو منطلقات منهجية وربانية ..

وحتى يتصف التقرير الوصفي للحالة الإنسانية و يكون التعبير عنها [ منهجيا ] يجب أن يكون القرار ذاته متطابقا مع المنهجية والإرادة الربانية في غاياته وأهدافه حتى يثبت الحالة الأرضية القويمة :

{ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } : إبراهيم27

والقرار هنا في الآيات آلية دالة على حالة الاستقرار الأرضية المتوازية بالقرار الأرضي ولهذا يقول تعالى في سورة غافر :

{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }غافر64

أي استقرار للحالة الوجودية في الأرض ، ولهذا فالقرار الوجودي هو قرار الهي ويلزم أن يكون الاستقرار نابعا من نفس الحالة الربانية وهذا يطابق قوله تعالى :

{ َلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }الأعراف24

ولهذا جعل الله المستقر الآدمي نابعا من ذات الحالة الربانية وقرارها وهذا يرتبط جدليا بالقدرة على استيعاب الشروط الربانية العليا في النفس لكي تكون مستقرة وذات قرار مكين وثوري عميق ..

وعندما يقول الله تعالى : { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } الأنعام67

أي أن الله جعل لكل قرار حقيقة مقابلة ولكل حالة قرار ، والنبأ هو الحالة التي تدفع الإنسان بالقرار الذي يؤدي إلى إيجاد فهم محدد قابل لتطوير الحالة بالاتجاه الثوري والإيجابي .. وهنا يلزم أن يكون منهجيا وربانيا ، والنبأ في القرآن هو الأمر الإلهي بظهور الخليفة المهدي المنتظر العادل عليه السلام .. وهو الموجه لحركة العباد لحالة القسط والعدل وهو النقيض لفكر الغيبة وفكر الظالمين .. وهنا نصل إلى أن ثورية القرار هو استجابته للإرادة العلية الضامنة لاستوائه الأرضي .. والذي يخضع في علمه وأسراره للإرادة والمعرفة الغيبية العلياولهذا قال الله تعالى :

{ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }

وأخضع الله تعالى الاستجابة للقرار بقرار أرضي مقابل مرضاته التي تضمن دخول الجنة :

{ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } الفرقان24

ولهذا كان استكشاف التقرير الآدمي في الأشياء والعلاقات الأرضية والتي هي وفق مرضاة الله تعالى هي التي تفرز حالة الاستقرار النفسي والمعرفي الذاتي في الإنسان وتجعله يعترف بعلاقاتها العلوية مع الله تعالى :

{ َلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } النمل40

والآية تحدد الاعتراف الإنساني بالنعمة الربانية والتي تتجاوز حالة الشرك أو الانحراف في القرار.. وفي قصة سليمان النبي عليه السلام مع بلقيس وإصداره للقرار بإحضار مقر بلقيس ومقامها الكلي ما كان له أن يفعل ذلك الأمر بدون التقرير الرباني الإيجابي ، والذي جاء به الهدهد وهو مسير من روح الله تعالى وهذا يقتضي عوامل روحانية هامة وعقلانية عادلة لاستواء تحقيق الأمر الإلهي وهو المتجسد في القصة في قوله تعالى :

{ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } النمل : 29 ـ 40

وهكذا يكشف القرآن الكريم عن منظومة روحية عقلانية في استكشاف العلاقة بين التقرير البنائي ، وهكذا كان الكتاب السليماني خبرا تقريريا كريما يشخص حالتها في ضوء المشروع الالهي الرباني الطارئ والجديد .. وهو القرار الرسالي الحضاري ، أي التقرير المتناغم مع حالة الاستقرار في الحالة البنائية أي لوكان التقرير فوضويا مزورا لكانت النتيجة من جنس المقدمات وختمه الحتمي يكون بالشكر على المقدمات والنتائج الإنسانية :

{ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

وهو اعتراف بأن منهجية القرار ونتائجه خاضعة لله تعالى في غاياتها وأهدافها لقوة علوية مهيمنة على كليه الفعل الخلقي ، وما على الخلق سوى الخضوع الكامل لهذه الكلية الاقرارية والتقريرية ، { ويسلموا تسليما } أي لا بد من حالة الأمة والبشرية والخلقية من استمرارية فعل السجود تعبيرا عن كلية الشكر الالهي ، وبالشكر تدوم النعم ، ويحافظ على ديمومة الحالة باستقامة رفيعة ، وبقرار الهي ذو تقدير وتقرير قويم ، وإذا كان الفعل البشري من أساسه مبنيا على حالة الاقرار الالهي العلوي فليس أمام الخلق سوى تسجيل التقرير الشكري والثنائي اعترافا بفخر الفعل البشري السلوكي المتناغم كليا مع النظم التشريعي والنبوي .. وهذا الوصف التحليلي القرآني يدفع بأن يكون القرار أو التقرير بنائيا وهادفا لاستقرار الحالة المنهجية على السلوك الإنساني والآدمي .. لا الانحراف بها نحو الأهداف الذاتية الخاضعة للهوى الذي يحرف الاستقرار عن الحالة :

{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً }الفرقان43

والقرار هنا هو شهادة تقدم من الإنسان لله كغاية حتى ولو قدمت لمسئول أو موظف أو رئيس منظمة ثورية أو سلطان حاكم أو إلى جهاز ثوري أو تخطيطي فيلزم أن تكون أساسا خاضعة في قرارها لله رب العالمين وهو قوله تعالى :

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ }البقرة84

يقول ابن كثير رحمه الله في التفسير:

[ أي لا يقتل بعضكم بعضا ولا يخرجه من منزله ولا يظاهر عليه ..

{ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } : أي أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته وأنتم تشهدون به ] (15)

_______________________________________

(15) ابن كثير : ( تفسير القرآن العظيم ) ، ج1/122 ، ” تفسير سورة البقرة ” .

وهو خطاب لبني إسرائيل بهدف ترشيد حالة الاستقرار الإسرائيلية باتجاه الإيمان والاستجابة للإرادة الإلهية ــ فبالنظر للآيات في قوله تعالى :

{ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } هو دعوة مفتوحة لأن يكون هذا القرار أو التقرير المطلبي أو التنفيذي ليس غائيا أو ذاتيا ولكن ليعاد نتاجه إلى المنهجية التي قدم القرار أو التقرير المطلبي من أجلها { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي }هو اعتراف بالغاية التي اندفع ورائها التقرير أو القرار ــ وهو دعوة مفتوحة في نفس الوقت لا أن يكون التقرير المطلبي منهجيا أو ممنهجا خاضعا للإرادة الإلهية .. في النفس والنتائج ، وهذا ما يدفع القرار لأن يتجه نحو الحالة البنيوية الخالصة والتصعيد بالحالة إلى الترابط والاندماج والرقي .. وبهذا يمكن وصف التقرير أو القرار في هكذا حالة بأنه تقريرا ربانيا في غاياته ونتائجه .. وفي السياق نرى

الآيات القرآنية الواردة والتي تتناول مسائل التقرير في القرآن الكريم كلها تجئ كدعوة للقواعد الأرضية المجاهدة في سبيل الله بأن تتوخي في أعمالها الثورية البنائية والحضارية الهدف الرباني الأسمى . والفاحص كذلك في هذه الآيات يرى أن جميع هذه الآيات تربط بين حالة الاستقرار النفسي للحالة الفردية والجمعية باتجاه تأكيد المنهج وفي قوله تعالى في سورة الأحزاب على سبيل المثال نرى في قوله تعالى :

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

هي دعوة كلية لتأكيد الحالة التطهيرية ونبذ وسائط التخلف والأرجاس وأشكال الرجعية من خلال سلامة وصحة القرار البيتي أي ديمومة الاستقرار من خلال إغلاق بوابات الغيبة والإفك وهو الذي يجر على الحالة بوابات الهدم .. ولهذا كما في قراءتنا يشكل التقرير المزور بوابة للمؤامرة الشيطانية في الحالة ، من هنا لزم مجانبة الجاهلية وفكرها وثقافتها والتي تشكيل الوسيط المدمر لكل أشكال الحالة البنائية ومقاطعة الجاهلية ووسائطها التقريرية هي من أهم الأسس الإسلامية القاعدية اللازمة لإنجاح المشروعات البنائية في الحالة الثورية الحضارية .. وبثبات

الكمال الروحاني في الحالة كانت الحالة مدفوعة نحو الكمال الرباني في الحالة وبالتالي يكون الدفع والنتاج ربانيا وهو كما الحالة المريمية عليها السلام

في قوله تعالى :

{ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً } مريم26

أي ضمانه الموقف الروحي من خلال إثبات كينونة القرار والتقرير هنا يكون بالتسليم والتوكل الرباني الخالص .. أي وصول الحالة نحو القرار المكين وهذا المقام الرائع المحتوم لا يمكن أن يكون بديمومته إلا بإغلاق الوسائل وهو الصوم عن الكلام الفاحش والسياسة الدنيوية الهابطة وعندما يصل الصوم عن الكلام إلى مستوى النذر فيكون صماما في الحالة بقسم العهد والاشتراط على الذات وهذا مقام الكمال في الحالة والاندفاع بوسائط المنظومات الرجسة والمدنسة هو إلي يدفع بالحالة نحو الخسران المبين وهذا كله من جراء ذراع الإفك الممدودة

وهو ما عرفناه في كتابنا : الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي :

بالشهادات المزورة ” وهذه الشهادات الباطلة هي المكرسة بالوسائط التقارير الزائفة والتي أصبحت سمة جماعاتنا وتنظيماتنا وكلية المشروع الشيطاني الهابط !!

وفي قوله تعالى :

{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }: القصص13

وهو تمام الوعد الحق في بلاغ الرسالة والقيمومة في الأمة والآيات فيها التجلي ومقاصد الكمال في الحالة .. ولولا القرار وشهادة الحق في القديسة مريم بنت عمران عليها السلام لما كان رشد الحالة واستخدام الشهادة والتقرير عن الطفل النبي في دفع الكمال نحو حالة الصعود .. وهو دعوة قرآنية مفتوحة لأن يكون التقرير الإنساني الواصف للحالة الإنسانية الحادثة واقعيا وصادقا ومجللا بالاستجابة للدعوة والترشيد الرباني القادر على انجاز الحالة في البناء الواقعي والحضاري .. وإذا كان القرآن هو المرتكز الحضاري لحالة البناء فإن الضرورة تحتم علينا اليوم أن نكون مؤهلين لهذه الاستجابة لهذه الحقيقة القرآنية بحيث تكون قيمنا ومعاييرنا مستندة في ثورتها البنائية لهذه الحقيقة القرآنية والروحية الأزلية الواعدة ..

ثانيا : التقارير المزورة والشهادات :

وفي كتابنا الصادر : ظاهرة تصفية العملاء التاريخ وجذور الأزمة :

قدمنا تصورا موسعا لبيان حالة التبين والتجسس وعلاقة التقرير الزائف في حالة الانحراف المجتمعي ولهذا كانت الشهادات المزيفة كما ذكرنا هي شكل عميق لظواهرنا والانحرافية والتي يعتبر التقرير الكاذب هو جزء من هذه العملية الهابطة :

{ قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً }: البقرة38 ..

قلنا اهبطوا بالدوافع والغرائز المشينة والبديلة عن كل معاني المقدس الإنساني .. والمجتمعات المحيطة بنا اليوم يكتنفها السوء في زمن الإساءة .. والتراجع في زمن الهزيمة وفي أزمان اجتياح التغريب على فكرنا ومذاهبنا وهيمان حكام أعرب صهيون بتلابيب صهيون ذاته تقف التقارير المزورة عنوانا على كل المحطات لترشد عن حالة الطغيان والهبوط العربي في الحالة اليهودية ويكون التطبيع هو المحدد لخلفيات حالة الزيف والتقرير المزيف هو روشيته الهزيمة وصكوك البيع أي باختصار يكون التقرير المزور هو شهادة كل التنازلات وحبر التقرير هو مكاييج لسوء الحالة .. وعلى هذا الوعي يمكن قراءة التقرير المزيف وشهادة الزور بأنه تذكرة المرور نحو النهاية !! وبقراءة التقرير وهو شهادة زور بكليته هو المقدم عن الحالة الفردية أو الجمعية يقدم باستمرار لجهة عليا مسئولة بهدف تقييم معين أو إرشاد نحو بيان حالة مطلوب فيها البيان .. إذ لا يمكن أن يقدم التقرير بدون عملية الطلب والاستجابة من هذه الحالة المطلبية والجهازية وهو أشبه بالشرط وجواب الشرط : فمقدم التقرير الزائف هو من أساس التفسير إنسان غائي وخائن لا يبحث إلا عن نزعة الملذات الدنيوية والتشفي الناجم عن حالات الإحباط والتعويض .

وفي قرائتنا نكتشف أن مجموع مقدموا التقارير الكاذبة هم جماعات المستخدمين والمستكتبن العبيد ، والذي تم إسقاطهم بواسطة العدو في الرذيلة والهبوط من أذرع الباطل في مجتمعاتنا وهم في الأساس ضحايا التخلف المجتمعي .. لهذا كان الحكم الشرعي على شهادة الزور أو التقرير ـ الزور ـ يوجب على صاحبه اللعنة الأبدية في الدنيا والآخرة لأنة يسهم في تكريس جدار الخيانة المجتمعية وحالات الهبوط والخسران المجتمعي .. (16(

ولذا كان التقرير المزيف هو من أسوأ الشواهد المحرمة وهو ما يلزم القيادة الرشيدة الصالحة في مجتمعاتنا الثورية أن تنظر بعين الخطورة وهي تشجع اليوم في أجهزتها وتنظيماتها على كتابة التقارير المدنسة ولا يكاد يخلوا شارع أو وزقاق من أداة لشرطة النظام مهمته متابعة الجماهير وتسجيل التقارير عنهم وتسليمها لشرار الخلق والتحوت من الناس في زمان الدنس والسنين الخداعات .. وهكذا يقدم التقرير الاستخباري الممر شهادة عين حاقدة لفكر النبي الكذاب ، وأداة إلحاقية بالمعسكر ــ الصهيو أعرابي ــ وهذا هو توصيف الزمان الذي يسبق الدجال والكارثة وهي التي تسبق ظهور الدجال الملعون .. ولهذا يجب النظر بالريبة والشك في هوية هؤلاء الخونة والمتعاونين مع سلطات

___________________________________________

(16) البيومي ، الشيخ محمد حسني : ( الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي ) : نفس الطبعة ، ص 184 ” باب الحسد والثورة

الجور وأدوات العدو المزروعة بين أظهرنا وجنباتنا وهو ما يدفعنا مجددا وفي كل عنوان

يطرح فيه هذا الموضوع النظر بالريبة في موضوعات الشهادات وأشكالها وإيجاد كافة السبل للتعرف على صحتها تجنبا لحالة الإجهاض أو المسخ أو التزييف في هويتنا الحضارية والأخلاقية والحالة التغييرية سواء كان ذلك بواسطة أجهزة الرصد والمتابعة أو إلحاق التقارير المكتوبة بالمراكز العقائدية الصالحة المتخصصة ..

ويلزم على أي جهة تسلم لها الشهادات بقصد فحصها أن تكون في أعلى درجات الورع والتقوى ولا يميزها النفاق القيادي ولا إيجاد التبريرات له !! وهنا يحذر من تسليم التقارير أو الشهادات للأجهزة الأمنية حتى لا يأخذ التعامل بين القواعد التغييرية الشكل الاستخباري الذي يقلق مضاجع الصفوف ويورث الأزمات ويدفع بالتقارير أن تأخذ الطابع المخابراتي للقيادة التغييرية ويدعم من أزمة التقارير المزورة ولا يعمل على اجتثاثها أو استئصالها ..

ولهذا يلزم دراسة الشهادات وإيجاد نوع قضائي لمحاسبة أعمال الدس والمكائد والتخريب وإبعاد أصحابها عن مراكز القرار بسبب افتقادهم للنزعة الإيمانية ، وهي الحالة التكوينية التي يغيب معها الورع والتقوى ..

ونتواصل في الحلقة البقية تحليلنا وآفاقنا المجتمعية لقراءة الظاهرة ..

. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

___________

بقلمـــي

المفكر الاسلامي التجديدي

الشيخ

محمد حسني البيومي الهاشمي

محمد نور الدين

أهل البيت عليهم السلام

فلسطين المقدسة

______________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق