الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الحلقة الثانية أزمة التقارير المزورة رؤية تحليلية وسياسية مجتمعية ـ الشيخ والمفكر الاسلامي محمد حسني البيومي الهاشمي

أزمة

التقارير

المزورة

رؤية تحليلية وسياسية مجتمعية

الحلقة الثانية أزمة

ا لشيخ والمفكر الاسلامي

محمد حسني البيومي الهاشمي

http://elzahracenter.wordpress.com/2010/08/29

Posted on 2010/08/29 by مركز أمة الزهراء "ع" للدراسات | تحرير

من هنا لزم التأكيد على إيجاد تجمع قضائي ملتزم فقهيا مع وجود نظام فقهي للمحاسبة للمزورين في الشهادات وتعريف للقواعد التغييرية بدنسهم وانحرافاتهم إذا لم يعلنوا توبتهم وعودتهم إلى الله .. هذا وتشكل ظاهرة التقارير أسوأ الظواهر في العمل الثوري التغييري ، وفي موضوعنا القرآني تعرضنا لموضوع التقرير أو القرار في القرآن وسنحاول تناول هذه المسألة من خلال النظر في سورة يوسف عليه السلام ــ وفي هذا السياق سنرى نموذجا حيا وراقيا يحتذى به في العمل التغييري الإيجابي وذلك من خلال القدرة على تنفيذ الظاهرة السلبية

[ التقارير ].

وقدرة القيادة على تفنيد المحاولة الخاطئة وملاحقة الأنماط الفاسدة وبذور الشر المزروعة في أجسادنا وحركاتنا التغييرية .. هذا ويمكن تحديد هذا السياق والدوافع في النقاط التالية .

1ـ الحسد والتقارير المزورة :

ويمكن قراءة هذه الظاهرة وهي المنبثقة من ظواهر الكيد النظامية وفي قوله تعالى :

{ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } يوسف 5

وهي الصراع بين دفتي الاجتباء والكائدين ، والقرآن الكريم يدفع في بيان حالتي التضاد ليبلور وجهة رفيعة في الأنموذج السلوكي والمجتمعي الجدير والناجح ..

فأنه يضع قانونا لأشكال الإحاطة من خلال السرية وعدم إفشاء السر خشية الحسد الذي يورث الحقد والقتل والإفناء للحالة المجتباة .. وما لحق في قصة يوسف النبي عليه السلام من مخططات تآمرية مثلت أعلى أشكال التحدي والابتلاء ومحاوله القتل في الحالة إلى التمكين ولهذا اتجه أخوة يوسف لتبرير الكيد

[ التقرير الكيدي ]

إلى تقديم الملفات والوسائط المزورة لتبرير الحالة الدموية أو إخفاء ملامح الجريمة :

وهو قوله تعالى :

{ وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } : يوسف18

وفي ضوء ذلك فقد قدمنا في الباب كيف أن الحسد يكون نقيضا لظاهرة الثورة .. حيث تكثر التقارير كظاهرة سلبية ثورية نابعة من الحسد نفسه [ وهو استكثار النعمة التي في أيادي العباد ] والتقارير المزورة هي تعبير عن حالة من المرض النفسي والشذوذ الشعوري ، يعتلي فيه الأنموذج السادي الأناني الفردي على الطبيعة التعاونية والتكاملية التوحدية مع الآخرين .. بما يحتويه ملف الحسد من وسائط الزيف وأشكال العداوة والتنافس المضاد .. وفي هذا العنوان سنرى أن الحسد هو الذي يدفع بالظاهرة التحولية باتجاه الانحراف ..

وفي السياق القرآني لسورة يوسف ــ يمكننا تحليل ظاهرة الحسد في البيت النبوي اليوسفي والمحمدي ، حيث شكل الحسد كل الدوافع المريبة للقتل وظهور خوارج العصور في الحالة الإيمانية ، والتي أغتيل فيها أمير المؤمنين علي عليه السلام والأئمة المطهرين وكذلك لاحق اليهود من أخوة يوسف خيار النبوة المجتباة بالحقد والتشويه والتقارير الجائرة :

إنها الأحقاد الصغيرة في قلوبهم تكبر وتتضخم حتى تحجب عن ضمائرهم هول الجريمة وبشاعتها ونكارتها وضخامتها “ (17)

تلك الأحقاد التي تسبق الشهادات المزورة والتي أول ما بدأت بالتخطيط والتآمر على الحالة الإسلامية القادمة والتي رسمت ملامحها في تلك الرؤية التي نقلها يوسف النبي عليه السلام للنبي يعقوب عليه السلام : وقدم يعقوب النبي عليه السلام إرشاده لوليدة يوسف عليه السلام بالسرية في وجه دعاة الوشاية والتقارير الكيدية المزورة ..

وهكذا يسجل القرآن موضوع الحقد والحسد والكيد كظاهرة للأزمة والتي بدأت ملامحها بمحاولة اغتيال الظاهرة الثورية التوحيدية :

{ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } : يوسف11

{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } : يوسف12

_________________________________________

(17) البيومي ، الشيخ محمد حسني : ( الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي ) : نفس الطبعة ص 184 ” باب الحسد والثورة ، ط 1992 م

وفي هذا التسلسل التآمري البطئ محاولة استخفاف وتحايل على الحالة الإسلامية التوحيدية وهي تجربة تاريخية بارزة في حياة الأنبياء عليهم السلام وهم الذين ذهبت دمائهم شاهدة على لعنه الحاسدين .. و على خلفيات الحسد والتقارير المزورة والوشايات الكاذبة وشهادات الزور وهي التي قدمها حكام إسرائيل الوثنيون للحكام والأباطرة الذين أذلوهم وحرضوهم على قتل كل الأنبياء والقديسين !!

{ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ }يوسف17

{ قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ }يوسف14

{ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } : يوسف13

{اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } : يوسف9

وفي مقاطع وثنايا الآيات الكريمة نكتشف المؤامرة والوشاية وشهادة الزور والتقارير الزائفة وكله من أجل مبتغى السلطان والوجاهة بغير الحق وفي مقاطع الآيات الأربعة يبرز [ الذئب ] كشاهد إثبات على بيان الذوات النفسية وفي القرآن قوة بيان الحجة والدليل والرمزية الشاهدة والذئب لم يأكل يوسف وإنما الذي خطط للانقلاب التآمري هم الذئاب البشرية التي تنهش اليوم في شعبنا الفلسطيني المقدس وحكام البلاط السفيانيين الدجالين على امتداد ساحات الأمة يرقبون يوسف القادم وهو مهدي

لله تعالى عليه السلام ليقتنصوه ويفعلوا به الأفاعيل !! هذا إن قدروا والله محيط بالكافرين .. وفي الآيات تبدوا صورة البطل المخفي في التنزيل ودالته هو في البيان هو خليفة الله المهدي الموعود عليه السلام كيف سيخرج أعرب صهيون في وجهه يصعدون دبابات أميركا على بوابات الحرم المكي ليعاجلهم جبرائيل عليه السلام بالخسف المدوي .. (18(

الذئب الصهيو أمريكي هو الذي استعبد جيوش العرب ومباحثهم وشرطته الملعونة للتبادل الأمني المرعب وحولهم إلى طابور خامس يسعى بين يدي دجال الأمم

يقدمون له الطاعة بالجملة ليعبروا بملايين الشهادات المزيفة عن روح العشق لأميركا الدجال المعاصرة !! وفي الآيات الكريمة تتضح سورة المؤامرة والتفكير في القتل والاغتيال السياسي ليوسف المتكرر في كل عصر من العصور أنموذجا ومثالا انطلاقا من التقرب بغية الكراسي وسراديب الكراسي المدريدية والأوسلوية المعاصرة ؟؟ يمارسون القتل ويدعون المصداقية وامتلاك الحقيقة والنور ..

{ يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } يوسف9

والذئب هو الذئب .. وعميل المخابرات هو عميل المخابرات واليهود هم اليهود !! الكل يقف على المحطة الخداعية : هنا المخادعون باتجاه التصفية لإحلال البديل الإيماني المزيف !! وهو الذي يدعي الدفاع عن الحقيقة وعن الحالة الثورية الأصيلة وهو أشد أعدائها … ذئاب في كل العصور!!

{ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة9

وهي بالطبع مرحلة تسبق تقديم الشهادات المزورة والتقارير الفاسدة والتي تسهم كما أشرنا في أداء نفس الأدوار التنفيذية .. فالخط النفاقي

______________________________________________

(18) البيومي ، الشيخ محمد حسني : ( المهدي عليه السلام : النزول ـ الخروج ــ الثورة ) : تحت الطبع

والخداعي في الجسد الثوري هو الذي يقتل الحالة ببطئ من خلال تسلله لسلم القيادة بقصد حرفها عن مسارها وتحويل الحركات المقاومة إلى أدوات وصنائع للاستعمار وتحويل كرسي أوسلو الملعونة إلى قوة مغناطيسية لكل الكائدين لأمتنا واللابسين مسوح الثعالب والذئاب الملعونة بين الحكام المرتدين وأدواتهم من عشاق الكراسي الملعونة والقاتلين لجماهير أمتهم تحت الدعاوى الزائفة في كل الأحوال !! وتأمل عزيزي القائل الحقيقة القرآنية في وصف ثعالب العصور قول الحق تعالى :

{ قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ } : يوسف14

وهم هؤلاء المتسربلون بمسوح الرهبان والقديسين يزعمون الحقيقة ويدعون الوصول والنور وهم أخطر المجرمين وأهل العداوة ومنفذوا المؤامرة على أرواح القديسين ..

ولهذا لزم القول : أن هذا الورم الخبيث والسرطان التاريخي قد آن اجتثاثه وأن فكر المؤامرة قد آن زوالها والتاريخ حتما لا يعود إلى الوراء !! وهم ذاتهم متأكدين من زيفهم إلا أنهم يلبسون لباس التقوى والصلاح … تماما كما يقدم المنافقون اليوم التقارير لقياداتهم ويبدءون التقرير المافواتي بالبسملة والآيات القرآنية .. فالزيف والدجل صورة واحدة يطرحها القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السلام ـ وهكذا كانت شهادة الزور الأولية في التقرير المقدم للقيادة في إثبات براءة سياساتهم الغادرة والتي استهدفت ــ اغتيال القيادة الخلفية للثورة التوحيدية التي ستعقب يعقوب النبي عليه السلام [ القيادة العليا ] وهذه الصورة في التنزيل القرآني تجئ لتعبر عن الأنموذج المحمدي من خلال تبيان المثال القرآني العتيد ..

وهكذا فالخط النفاقي والتآمري في كل الحركات التغييرية يعرف ذاته ويعرف أنه مكشوف للقيادة والجماهير في كثير من الأحيان !! ولكنه يحاول عبثا إثبات صحة الموقف رغم غياب الدليل ــ مغطيا ذاته بالنفاق وسياسات المناورة والخداع ــ فالتقرير المزور المقدم من إخوة يوسف هو الذي يسود اليوم واقعنا ومنظوماتنا وحكوماتنا التي ارتضت أن تستكتب ذاتها لصالح معسكرات المستكبرين والطغاة الظالمين وأتن تحول الجيوش لخوض الحروب لصالح أجندات الطغاة البوشويين وهم من اصطلحنا على تسميتهم بالمتعاونين الكبار والمتعاونين الصغار .. (19(

فالتقرير المزور المقدم من أخوة يوسف عليه السلام غير مترابط ولا يكتنفه الوضوح وهو من مادة التخوف القيادي الذي كان يدرك اللعبة وأبعادها المقبلة { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ } فالتوقع القيادي بالنتيجة كان في الأصل عن بينة وعرفان الهي للنبي بالملف ليعلم الله تعالى من التجربة الأجيال من القديسين والحواريين .. وهذا التوقع هو الذي حدث وكأن لسان القائد الكريم يعقوب عليه السلام حال لسانه يقول : لا تقتلوه وتزعمون أن الذئب في البرية قد اغتاله وهم الذئاب !! وهذا هو حال منظوماتنا الأمنية والمخابراتية اليوم تقوم بالتصفيات الغادرة ثم تحيل الجثة إلى المشرحة على خلفية حدث مجهول !! والمرحوم كان غلطان ؟؟

{ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } يوسف17

ومع أن التلاميذ الحاسدين والمتآمرين يعرفون أبيهم بأنه نبي فهم يراهنون على المجهول في فكر المؤامرة !! ورغم عدم الترابط في نسيج القصة والتقرير الشفوي المقدس إلا إن الفكر التآمري يبني مشروعه وقصته على التشكيك وعلى مبدأ اكذب اكذب حتى يصدقك الناس !!

_________________________________________

(19) البيومي ، الشيخ محمد حسني : ( ظاهرة تصفية العملاء التاريخ وجذور الأزمة ) ، نفس الطبعة

وقد قدموا بالتالي قرائن كاذبة في التقرير تتنافى مع الطبيعة الموقفية حيث ينسى الدجالون المتربعون على كراسي الشيطان الأمريكي أن هم يتعاملون مع قديسين أو أصحاب خبرات عتيدة ، ومع علمهم بذلك جدلا فهم يكيدون كيدهم ويقدمون حججهم الواهية المكشوفة لكي يموهوا على الجماهير المظلومة وهنا يقف أصحاب

التقارير المستكتبين والمنشدين لوكلائهم نحو تنفيذ الجريمة فهم يلبسون المسوح وجاهزون للحلف على المصاحف لبراءتهم وهم كاللص يقفز على الجدار ويقدم البسملة ونداء يالله قبيل السرقة !! وفي ختم الآيات قوله تعالى على لسان أصحاب المبادئ الذين يخشون الله تعالى ولا يقتلون ..

{ وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } : يوسف18

وهكذا تكشف القيادة الجريمة وتواصل الجريمة غيها والمجرمون خياراتهم .. ” وهكذا يتم إغلاق الملف من طرف القيادة بشكل مؤقت حتى يتم ترتيب الأوراق ودراسة القرائن عبر أجهزة المتابعة الربانية

{ فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }يوسف96

وفي الآية كشفا لمخطط المؤامرة بوضوح لا محدود .. إلا أن الحسد لم يتوقف عن أداء دوره المدمر من خلال محاولات التشويه للحالة من وراء الكواليس وبنزعة تآمرية واضحة .. الهدف منها تبرير الجريمة والاغتيال الآثم .. فالمتتبع لتفاصيل

الآيات الواردة يكتشف عمق المحاولة وطبيعتها السلبية استعدادا لوراثة الموقع القيادي .. فعندما اتجه أبناء يعقوب إلى الملك طلبا للرزق والمؤن .. لم يدركوا المعادلة ولم يتخلوا عن فكر المؤامرة ولم يتلبثوا يسيرا عن تسجيل التقارير الزائفة ولم يدركوا طبيعة التمكين التوحيدي المقابل والذي سيعمل على كشف جميع الأوراق المزورة والتقارير الزائفة للقيادة العليا [ يعقوب ] فعندما واجه إخوة يوسف ــ يوسف ذاته في بلاط الملك وهو الذي يشرف على الأرزاق والمؤن .. ورغم محاوله يوسف النبي القديس المصالحة والترشيد في إخوته حرصا على قضية الدين وفلسطين الوطن إلا أنهم أصروا على الحقد فقالوا حسب السياق القرآني :

{ قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ }يوسف77

فأسرها يوسف وأخفي الحقيقة أملا بإصلاح الثورة دون جدوى للمنحرفين فقال لهم رادا حد الزيف بنور الحقيقة في قوله تعالى :

{ قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ }يوسف77

فالمحاولة الأولى الاغتيال .. ويليها محاولات التقارير والشهادات المزورة .

ثم تليها الحملات الدعائية المشوهة والهادفة لتبرير قتل الحقيقة في المهد ” (20(

وهذا دليل على تغلغل الفساد والانحراف في ظاهرة الحسد .. وكيف أنه يشكل النقيض السلبي للثورة .. ويتجاوز ذلك بالتآمر الصريح على القيادة بالانقلاب وتكريس الزيف مع بيان الحقيقة ، فبعد وصول يوسف عليه السلام إلى بيت القيادة الإلهية وشعشع الحق وصدع القائد به أمام شهود الزيف :

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ }يوسف94

______________________________________________

(20) قطب ، الشيخ سيد : ( في ظلال القرآن ) : ج4/ص2022 ، 2027

وفي هذا المشهد المهيب لم يتراجع رواد الزيف والشهادات الزائفة عن غيهم ” وفي هذا يتضح بداية فتح الملف كله وبعد ثمانين عاما مرة أخرى لاستيضاح الحقيقة ” فبعد ما كشف لهم عن شخصيته ـــ لما رأوا أباهم يستنشق عبير يوسف، غاظهم هذا الاتصال الباطني الدال على عمق ما بينه وبين يوسف ، فلم يملكوا أنفسهم أن يؤنبوه .. قالوا ما في أنفسهم :

{ قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ }يوسف95 :

وهو أقسى أشكال التمرد والتزييف والتعدي على النبوة

ورغم ظهور يوسف النبي في مظهر البطل في القصة إلا أن إخوته لم يستنكفوا عن الغي والباطل .. وندرك من مغازي القرآن الكريم وشواهده أن هذه المدة وهي الثمانين عاما لم توقف حركة الغي والزيف عن مراميها الزائفة وأنه لولا حكمة الله ورعايته لحالة المصطفين والقديسين لم تكن لتنكشف المؤامرة ..

[ الحلقة الثانية ]

التقارير : الحسد والوجهة السادية

ـ تعريف الحالة السادية :

: ويمكن تعريف السادية كحالة من بين ثنايا الوجهة القرآنية ، والتي حثت على الضبط في التركيبة الشخصية وعدم التقليد الأعمى والتفريط في الوجاهة المتعرضة للاستثمار الشيطاني [ التوحد الشيطاني ] ، وهذا التطير القرآني هو أهم الركائز والثوابت القادرة على ضبط الوجهة العقلية والنفسية ، وأن السبيل لمسألة هذا الضبط النفس لا بد من تتويجه بالتوافق الروحاني والوصال الالهي القادر على ضبط العلاقة بين العقل والنفس [ العقل النفسي ] وكذلك وهو الأهم أن يكون التوافق التوحدي بين الروح والعقل ، وهو ما عرفناه في مباحثنا [ العقل الروحي ] أي انفتاح العقل على الغيب الرباني وتلمس روح الخشية والتربية الروحية الثورية ، وهنا لابد من تعريف السادية كحالة مرضية يتعرض لها أصحاب الانفصام النفسي عن حالة الرقابة ، وإذا غابت مسألة الرقابة الالهية عن العقل أصبح عقلا أرضيا ، يحكمه الاستهواء وقضايا الانشداد نحو الأمراض الأرضية والأرواح الشيطانية المبنية والمجبولة على روح الانتقام الابليسي من عالم البشر ، و [ السادية ] كحالة ومصطلح تنبع في الأساس من الأنفاث الابليسية البغيضة في الروع الآدمية ، [ النفاثات في العقد ] فإذا كان الروح والعقل خاويا تم تعبئته بأشكال مرضية نفسية كسوء الظنون وهي منبع

[ الأزمات النفسية ] وأشكال أزمة [ الثقة بالذات ] .. ودائما ما تشكل سوء القيم التربوية على تنمية روح السادية وهي الروح الشيطانية القائمة على الحقد والانتقام من عالم البشر منذ خلق الله تعالى الأرض وأنزل فيها إبليس الرجيم لتبدأ دورة جديدة من الافساد التاريخي على مستوى حركة الخلق [ الجن والانس ] ..

والسادية كمصطلح هي من الهيمنة بروح نفي الآخر ، وهذا أسوأ أشكال العقد النفسية والتعويضية ، حيث يلجأ الفرد الى تعويض مركبات هذه الأزمة النفسية بروح القتل القابيلي التاريخي وسحق كرامة الانسان والخلق الأرضي بفعل هيمنة المفسدين والطغاة واستبدادهم القهري ، وتصدير ثقافتهم القهرية الشوفينية على الحركة الانسانية ، وهكذا شيئا فشيئا تم استيعاب هذه الثقافة الاستبدادية على مستوى جميع هياكلنا السياسية ومنظوماتنا الحزبية والتي تشربت بكل أسف ومرارة روح الثقافة الاسرائيلية وفكر الشيطانية الماسونية الميكافيلية ، وهي القائمة اليوم في لغة ثقافة استعمار الأمم وثقافة الدم .. وتسعير روح الانتقام من الذات والذات المقابلة وفي التحليل النفسي :

[ السادية مرض يتميز بنمط سلوكي وحشي كالاحتقار والعدوانية تجاه الآخرين بدون مبرر والتلذذ برؤيتهم يتعذبون وكلما زاد الألم والعذاب كلما زاد شعور الشخص السادي باللذة ، وسميت بالسادية نسبة الى الماركيز دى ساد الذي كان يعيش فى القرن الثامن عشر بفرنسا وكان كاتب ومؤلف اتسمت كتاباته بالعنف ووصف التعذيب وقد سجن أكثر من مرة بسبب ارتكابه جرائم وحشية عنيفة ضد استفزاز الطفل بالقرص أو العض لجعله يبكى ثم الاستهزاء به ] .

متى تبدأ الحالة السادية وأسبابها :


وكما ذكرنا أن السادية أو تفريغ العقد المرضية النفسية الانتقامية ، تبدأ أسا مع نضوج الحالة العقلية والطفولة ، وأول ما تبدأ بسبب تفريغ الآباء عقدهم النفسية في الأطفال والنساء ، حيث تزداد مسألة الحرمان والتشفي والتلذذ في العقوبة ، وتفريغ السموم ، وهو ما أصبح يجد له مسوغات مجتمعية وسياسية ، في مقولة :

[ الخيانة وجهة نظر ] أو ما تردده النساء بعد ضربهن المبرح لمقولات:

[ النساء مفشة للرجال ، أو " خليه ينفش " ، وميراث مقولات سفيهة من التاريخ أن المرأة كانت تتجهز العصا لزوجها ليضربها إذا ما تعرض لأزمات خارجية ، وتردد مقولات الأزمة لكونها هي ضحية الأزمة ]

ينفش في زوجته أفضل ما يعمل مشاكل مع الناس ] وهكذا يسهم المجتمع الذي دمره السياسيون والمشايخ الرجعيين في إصدار فتاوى دينية وقوانين محاكم شرعية رجعية ، تؤكد على العصمة المطلقة للرجل !! ، وبالتالي تكرس معايير التخلف وميلاد الأطفال المعاقين ذهنيا [ العصاب الذهني ، وحالات الانفصام والنكوص ، والتفريغ ] ولتكريس الأزمة يشجع الآباء أبنائهم للتعاون مع المنظومات الأمنية ليكونوا أدوات قهرية وشوكة في ظهور المجتمع ، حيث تفشى التقاتل والدم في البيت الواحد ، وساد سوء التقدير الاجتماعي ..

و[ كان العلماء فى الماضي يعتقدون ان مرض السادية تبدأ أعراضه فى مرحلة البلوغ ومع التقدم فى علم النفس السلوكي والتربوي أثبتت الأبحاث ان المرض تبدأ أعراضه فى سن مبكرة فى السنة الثانية أو الثالثة من عمر الطفل .

وأسبابه كلها ترتبط بتعرض الأطفال لاعتداء وحشي بدني وشعور الطفل بسعادة الآخرين وتلذذهم من ألمه , أمثلة بسيطة ( ضرب الطفل بألات حادة مؤلمة دون الاشفاق عليه-لسع الطفل بشيء ساخن كعقاب لضبط عمليات الاخراج محاولة ]

والسادية في النهاية يمكن تعريفها بحالة المرض النفسي المستعصية والمغروسة في الفكر والذات الى درجة توحدها بالقناعة والسيكولوجية النفسية والسلوكية :

[ السادية بكلمات بسيطة واضحة هي " التمتع والتلذذ بتعذيب الآخرين ] (1)

والسادية كحالة مرضية وعقلية تحتاج منا الى دراسة مستفيضة وأكاديمية جادة وتحليلية مهمة في ضوء العطاء والثوابت القرآنية و أعمدتها الأخلاقية .. تناولنا جزء منها في مباحثنا الاجتماعية والنفسية وخاصة في دراستنا الموسوعية (2(

حيث يسيطر على الانسان السادي نوازع الضعف والمرض العصبي والتشدد في الواقف والضعف الفكري الناجم عن أزمة الثقة أصلا بالوعي وروح التضحية ، والتلذذ بالتشفي والانتقام من الآخرين ، وتصدير السلوك الشخصي بروح العدوانية ، والذي سرعان ما يتجسد بالتغليف السياسي والديني ، في حالة القتل الجماعي والعمل على الترويع المجتمعي بالتصفيات في ، وهو ما عرف اليوم

[ بصابونة الهواي ]

أي تحطيم الصابونة في الركب ليحدث شلل ، ويمكن لاكتشاف حجم هذه السادية البغيضة والتي سادت تنظيماتنا وأحزابنا بمراجعة مراكز الاحصاء النفسية والاجتماعية على شبكة الانترنت ، وكذلك :

[ المستشفيات ، والصحة النفسية ، ومراكز حقوق الانسان ، لنكتشف أن ضحايا الأمراض السادية الحسدية هي قتل آلاف البشر ، بأغلفة سياسية أو فئوية حصدت القيمة الروحية والعقلية في حركة الانسان ، وصعدت من الأزمة الثقة في روح الرفض والمقاومة متن أجل العقيدة والأرض والانسان ] انطلاقا من واقع الاخفاق السياسي العام ، والاجتماعي بشكل خاص ..

وهنا نعود لنفس المحور من قرائتنا المجتمعية التحليلية أن أزمة التقارير المزورة هي السهم الغادر والذي وظفه كل العملاء والخونة والمعادين لروح الأمة هي أصبحت منظوماتنا ليست أكثر من دكاكين استخبارية عربية وفلسطينية تتحرك بدوافع أمنية صهيوأمريكية ، مما جعل فلسطين بشكل عام وغزة بشكل خاص دار لنفوذ الصراع بين أجهزة المخابرات العربية وهذا ما يحتاج لدراسة مفصلة من الوعي التحليلي ..

حيث يكون [ التقرير السادي الانتقامي ] هو المسيطر والقادر على تحديد قنوات الابتزاز المالي وسياسات الدنانير والريالات واليوروا !! ومن يدفع أكثر يستلم تقارير أكثر .. وقد شرحنا الموضوع تفصيلا في مباحثنا قبيل خمسة عشر عاما ( 3(

_____________________________________________

السادية : مقال مهم منشور على شبكة الانترنت : http://forum.z7mh.com/t46192.html (1) = أنظر في نفس الموضوع : مقال آخر بعنوان : السادية مرض نفسي قد تكون مصاب به :

http://www.zagazig.net/forum/t1094.html

http://www.ebnmasr.net/forum/t36952.html=

(2) أنظر : البيومي : ( الشيخ محمد حسني ) : ” نظرية التحليل النفسي في القرآن الكريم ، ” تحت الطبع ” .

( 3) البيومي : الشيخ محمد حسني : ( الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي ) ، غزة ، 1992 = وفي كتاب للمؤلف بعنوان : ( ظاهرة تصفية العملاء التاريخ وجذور الأزمة ) ، غزة ، مطبعة الهيئة الخيرية ، 1994 :

وإذا ما نظرنا للسادية المسيطرة على المركب الاسرائيلي المخابراتي ومؤسسات الجيش الاسرائيلي لرأينا الخطر الداهم في التعبئة الاسرائيلية للجنود والمحققين في السجون لاستباحة الانسان الفلسطيني وأن العربي أصلا هو من درجة الخدم ، و[ الجوييم ] كما ورد ذلك في مواثيق بروتوكولات حكماء صهيون والوثائق الماسونية .. وهذا ما يعقد الأزمة حيث حولت إسرائيل العرب الفلسطينيين واللبنانيين على وجه الخصوص الى جيش من المتعاونين وحملة السلاح الاسرائيلي والثقافة الانتقامية ، وكانت الوشاية والتجسس وحرب التقارير الالكترونية تأخذ وتشق طريقا في حياة أزمة أمة وتاريخ ..

2 ــ الشهادات والتقارير المزورة [ يوسف في بيت العزيز ]

التجربة الثانية وهي القصة في تجربة النبي يوسف عليه السلام خلال وجوده في بيت العزيز ، وهذه التجربة التي تلت فتنة إلقاءه في البئر وتربيته في قصر العزيز في مصر و، وهي تجربة مريرة في حياة المناضلين والشرفاء ـ تمثلتا خلالها فيه عليه السلام قوة وصلابة الموقف .. رغم توفر الظرف الموضوعي الملائم والمتوازن لكن قوة الموقف الإيماني التوحيدي هو الذي سينتصر .. رغم محنته القاسية التي أحيطت بفتنة الأهل والشعب والأعداء ، فإخوته كما أسلفنا يمثلون الشعب الذين اتهموه بالسرقة وشوهوا موقفه في بيت النبوة وخلال مواجهته لهم .. (18)

وفي بيت العزيز كانت الدائرة الافكية تكتمل وهو صورة لما نقله القرآن في قصة التحدي مع الأنموذج الدعائي في حرب القديسين :

{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }يوسف23

وهي التي قدمت عنه التقرير الكاذب في قصر الطاغية وبتشجيع منه !!

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } يوسف24

والمؤامرة هنا بالتوازي مع التجارب الماضية تسير باتجاهين :

ـ المحاولة الآثمة من امرأة العزيز وهي مادة الحرب الدعائية والتقارير المزورة .

ــ ثم التشهير به وقذفه بالتهمة والشهادة الكاذبة التي قدمت للعزيز وهو وزير فرعون مصر والقائم على شئونه .. والمؤامرة في القصر استهدفت إقصاءه قسريا للنبي يوسف عليه السلام خشية وصوله إلى سلم الوزارة وشئون الدنيا والكيد كان بين ظاهرة القديسين وبين المفسدين من أدوات المستكبرين .. والقذف الاتهامي الملازم

______________________________________________

(18) نفس المصدر : ( في ظلال القرآن ) : ص 1953 = ابن كثير : تفسير القرآن العظيم : المجلد الثاني : تفسير سورة يوسف ط دار المعرفة بيروت ص 476 ، ص 479

للتقرير الكيدي لفرعون مصر هو الأول في المعركة ..

{ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يوسف25

فبعد انكشاف التقرير الآثم ولعبة المقامرة السوء بعد هروبه عليه السلام من وجه الفتنه وهم بالابتعاد عن فتنة النساء ، وبعدما انكشفت زوجة العزيز أمام زوجها : كان التقرير يقدم لتشويهه بإسقاطه اجتماعيا وسياسيا ، ولكن سرعان ما كان التحقيق في الحادثة يفضح مرامي الكائدين ، وهنا كانت الشهادة من جنس الواقع في التحقيق المنطقي في الحادثة والتقرير الآثم والمحاولة الإسقاطية المنظمة ” .. والتحريض على يوسف النبي عليه السلام بالسجن من قبل النساء وهن شبكة نسائية متآمرة مع عزيز مصر سرعان ما انكشف سوء تدبيرهن بالإسقاط عبر التقارير والوشايات الظالمة وهذا شأن الطغاة عبر الأزمان .

قال تعالى في السياق :

{ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }يوسف25

وهنا في الآية يظهر الشاهد وهو قراءة الحالة والقميص الممزق من دبر أي من الخلف هو تأكيد واقعي على الجريمة النسائية وأن هذه الشبكة التي دبرتها امرأة فرعون بالتنسيق مع عزيز مصر بانت خيوطها الآثمة وانكشفت مراميها ،

{ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ}

وهي شهادة على الإقلاع من يوسف النبي والهروب من الفتنة وأن الخصم إنما أراد إيجاد المبررات لفتح ملف بقضية غير أخلاقية توطئة لمرسوم فرعوني آثم بالسجن !! ومع ذلك كان الهدف من المؤامرة هو السجن

{ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }يوسف25

ولها قدر الله تعالى أن يكون الشاهد هو الدليل والتراجع من فرعون أمام زيف الدعوى

{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } : يوسف26

و منطق الدفاع بالشهادات الواقعية وقدرة المدعى عليه من تفنيد الحجة بالحجة المقابلة بأن امرأة العزيز هي التي راودته عن نفسها وكان تمزيق القميص من الخلف شهادة لحجية الدعوى المقابلة وهذا يعبر عن امتلاك يوسف النبي عليه السلام الحجة والثقافة القانونية ،

{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } يوسف27

{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } يوسف28

وهكذا بوضوح الدليل بتمزيق القميص الشاهد من الخلف ثبت بطلان القضية وسقوط الدعوى الباطلة وبالتالي سقوط الشهادة المزيفة والتقرير المزور !!

.. إن المؤسف في القيادات الهزيلة الطاغوتية هو حالة الوهن المسكونة في قلوبهم وما تكنه القلوب الدنيوية من المكر الخداعي السيئ وأدوات البطش أنها تعرف حقيقة الرساليين والمناضلين لكن غرورها يعميها عن الحقيقة وتلازم الظلامية سياساتها بمواصلة سياسة الاغتيال والسجن والملاحقة بأصحاب التيارات المعرضة وهم مادة الملاحقة والهدف الذي يموه هؤلاء الخائنين لأمتهم بالانشغال بهم عن قضايا الأمة خدمة لأعداء الأمة !! فالقيادات الرمزية المهيمنة على حكومات المنطقة وأدواتها وأزلامها من الحكام ولأزلام الظالمين في المنظومات الذيلية والحزبيان المعقدة كلها تعمل كوكيل للظالمين .. وهم أشبه بامرأة العزيز الخائنة والماكرات من بوليس النظام وكذلك الوجه الفاضح للنظام المصري وهو الديوث التاريخي الذي عرف أن زوجته تمتلك الوجه الفاضح لسيرة قصورهم وحواشيهم ولكنه عمد إلى تغطية عاره وعار بيته بمزيد من الإرهاب والسجن أو الاغتيال أو بمواصلة الإفك والتشهير لقتل حقوق المناضلين وإزهاق صوت الثوريين والتشهير لإسقاط حالات الزيف ، لكن الحصار للثورة لن ولن يدوم طويلا !! ولن يكون سوى قنبلة موقوتة ستنفجر ثورة في وجه كل الجلادين وصناع المؤامرة .. وفي النهاية الطاغوت هو الطاغوت والسجن هو قبلة المناضلين في سبيل الدين والحرية .. وهو قوله تعالى في القضية التاريخية :

{ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ }يوسف35

وهكذا كان السجن وصوت الجلاد هو الأداة الفاضحة لقتل صوت الحقيقة القادرة على فضح صوت المؤامرة ، والاغتيال السياسي هو أقصر الطرق لقتل الأسرار في قلوب الثوريين الصادقين مع قتل أجسادهم ؟؟ ولك أن تتصور أيها القارئ المناضل أن هذه الجريمة وهذا البوليس قد صنعه الجلاد والتقرير الكاذب !!

ولكن صوت الثورة يتحدى كل الشهادات وكل محاولات الإرهاب برفع القبضة في وجه الجلاد وأن هذا القابع في السجن من جرائر التقارير المفضوحة سيحين الوقت وشيكا لخروجه وسيصفق الجمع حين يفضح الجلاد وصوت المؤامرة ، حينها تدرك الأمة من هو الموكل في كل زقاق وشارع في الوطن السليب وكل الأوطان ، وبالأمس كان صناع التقارير من الوكلاء والعملاء الصغار يعملون مع النازي اليهودي ولكن اليوم للنازي ألف دكان وصنيعة من وكلاءه وهم الجمع المناوئ أن يصفق ويشدوا عبريا على حقيقة المظلومين والمنكوبين من شعبنا المظلوم في كل الساحات وإلا لماذا يحمل [حنظله ] المظلوم الشوك احتجاجا على الجلاد وناجي العلي الشهيد الفذ لا زال رمزا لثورة الصورة في وجه الجلاد وأدوات النازي وعندما يكون النازي هو من أعر ب صهيون فهذه أكبر نكسة وأقبح قضية !!

وهنا يقف يوسف الصديق مناضلا شابا صلبا محتسبا المظلومية من أجل الحرية والكرامة والمبدأ وهو لازال يردد عبر آلاف السنين :

{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } يوسف33

الاعتقال والسجن لم يقتل الحقيقة بل يعلن للثوار ميلاد جديد ــ ميلاد يتجه نحو رفع الزيف باتجاه إحقاق العدالة الثورية ــ إن المطلوب في وجه الشهادات والتقارير التي تتجه نحو سحق آلاف المناضلين في ساحات الشرف هو الصمود الثوري والعمل على تنفيذها ــ وهنا على القيادة الصالحة أن تشكل أجهزة المتبعة الميدانية التي تنطلق من أرضية الواقع تعمل ساهرة على فضل مخططات كل العملاء والدجالين التاريخيين لكي تكون أبنيتنا قوية بعيدا عن كل محاولات التضليل الذي يسقط الحالة الثورية ويجعلها تقف في وجه الخندق المعادي للجماهير .. وعلى القيادات الميكافيلية التي انتهجت خط الاغتيال السياسي والإفك الأخلاقي عبر عشرات السنوات من تاريخ ثورتنا وشعبنا وأن تدرك أن الشهادة الكاذبة والتقارير الكاذبة التي قدمت إليها من أزلامها هي التي حطمت وجودها وأسقطت خياراتها وشعاراتها الثورية وجعلها شهادة للزيف وقتل الحقيقة !! وهكذا كانت الغيبة هي الوجه الذي غلف كل الحقيقة وكان يقف وراء الزيف والانحراف بالحالة الثورية ذاتها .

3 ــ الشهادة والتقرير الإتهامي وعلاقته بالإفك :

في دراستنا الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي :

تناولنا جانب الإفك بحادث الإفك ضد الاتجاه الجمعي أو الفردي للحالة ، وهذا يتطلب مواجهة الحدث والظاهرة الإفكية بالتفنيد العقلي لبطلانها ، وهناك في التاريخ آلاف الشهادات والأمثلة لدحض آراء الوشائين وأصحاب الأقلام النفاقية المسمومة وكذا تجار الدين والرقيق المفضوح بغية دنانير بني أمية وآل عرفات و العباسيين !!

وهناك كذلك آلاف المحاولات لشراء الذمم والأزلام لصناعة أوكار الفاحشة أو استخدام رجال الشرطة والمباحث لبيوت الدعارة بهدف نشر الفاحشة ومثال ذلك ما حدث في الأرض المقدسة .. من نشر الرذائل في أوكار الأجهزة الأمنية وجها آخر للنظام العربي المفضوح وتدبير المكائد للشرفاء والقادة تحييدا لهم عن قضايا الأمة التاريخية وإرضاء لمخابرات إسرائيل وأدوات الدجال في الكنيست وكذا فضح الوطنين وأصحاب الشرف العالي بتهم مقززة .. وفي هكذا سبيل فاحش تم ويتم تجنيد آلاف الصحف ودور الصحافة والهوائيات والفضائيات في بث سموم التحريض دعما بخلق التيارات الإفكية .. والمؤامرات المكرسة عبر بيع التقارير بدولارات رخيصة وهذا كله بتشجيع من تجار الأمن المفتوح وأصحاب الوجاهات والمعممين الكذبة من رجال الدجال وصدق النبي الأقدس في قوله : إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين ] [ إني أخاف على أمتي الأئمة المضلين فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ] (19(

ثالثا : التقرير المنهجي ومواصفاته :

ويمكننا تعريف التقرير المنهجي بأنه التقرير النابع من الإرادة اليقينية المخلصة والهادفة باتجاه البناء الحضاري والتغييري والمرتكز في اتجاهاته وبواعثه بالشروط القرآنية والعقيدية الشرعية التي توجب تسجيل التقرير أو نقله إلى القيادة الصالحة الشرعية ، بهدف تصعيد الحالة البنائية في المشروع الإسلامي التغييري ، من هنا فالتقرير الشرعي الصالح هو الذي يحمل غاياته الصالحة وهو الذي يندفع من خلال الإحساس بالمسئولية الشرعية على النفس والمنهجية في التقرير تخضعه لعدة شروط

(19) الطبري :جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج5/ 217 قوله تعالىقل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون = الدر المنثور ج 3/ 289 قوله تعالى “قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (15)

يمكن إيجازها في التالي :

1ــ أن يكون التقرير منهجيا وقرآنيا ـ أي منهجيته ثورية تجعل التقرير يثور الحالة ويدفعها نحو الاشتعال والنضوج بعيدا عن النوازع الغائية والإسقاطات النفسية والمنهجية ما يقتضي موضوعية التقرير ..

2 ــ أن تكون المادة المعلوماتية المنقولة سمعية ومشهودة وواقعية وليست نابعة من واقع أزموي ، لذا فالرواية المسموعة في التقرير هي أقوى من المنقولة ، وعليه ينصح أن يكون التقرير الشفوي أو الكتابي فرديا أو شخصيا مع القيادة ، بل يتقدم بعد محاولات عديدة وجمعية بنائية ، فإذا كان بخصوص الأفراد فيفضل أن يكون النصح والإرشاد بنائيا للحالة أي لا يكون بوجوهه مشفوعا بالنوايا التآمرية والسياسات الكيدية .. فكل مشروع يبنى على سياسات رد الفعل يكون محكوم عليه بالفشل بسبب غياب المنهجية وروح المبادرة الاستقرائية . ويجب أيضا أن يرفع التقرير بعد محاولات عديدة للترشيد قبيل نقل الموضوع للقيادة فالإصلاح القاعدي الفردي من أهم الوسائل الناجحة لديمومة الثورة وفكر الثورة .” الثورة الإنسانية

وأما الهاء القيادة عن سياساتها الإستراتيجية فلا يكون سوى خدمة لأعداء الإنسان والفكر الإنساني . وعندما تكثر التقارير من الأفراد نحو القيادة بدون المرور لوسائط الاتصال فأعلم أن هذه الفوضى يقف خلفها أناس فوضويون من صناع المؤامرة !!

ونلفت عناية أولي الأمر أن إخبار العضو الثوري برفع التقرير أو حتى اطلاعه عليه يعتبر من أروع نماذج العمل البنائي لأنه يغلب الجانب الأخوي الإنساني على جانب المؤامرة .. وهذه المعرفة المسبقة هي التي تنفي الظواهر الشللية الملتفة حول القيادة وهو ما عرفناه في دراستنا الغيبة : بسياسات الأمن المفتوح ، ولهذا التزام جانب المصداقية يضفي العوامل الصدقية وأجواء المصارحة التي من نتاجها تكثيف العمل والتشجيع على البناء في أجواء الثقة .. ويبدوا هذا الخطاب الثوري الانساني مستحيلا لأول وهلة ولكن إذا قيس بحجم المؤامرة الميكافيلية في تنظيماتنا فبالحتم سنختار هذا الخيار ولو كان مرا على أهل الشهوة التآمرية وهي بكل أسف السائدة في تنظيماتنا ان لم تكون سمة لواقعنا .. كما تنفي أجواء الصدقية والمصارحة والتلقائية ظواهر التخابر الداخلي بين الأفراد في المؤسسة الأمنية الواحدة . فالمتابعة الداخلية هامة جدا بحيث يكون كاتب التقرير أو ناقل التقرير معروفا لاستعداده للشروحات المحمولة في تقريره وعمليه التفنيد المعلوماتية للمسجلين بحقهم التقارير يكون التناصح واجبا ويكون التقرير خارج آلية الغيبة المدمرة وخارج دوائر الحسد والتدابر والخلاف ، هذا وان تسجيل التقرير خارج هذا السياق يدفع بتعميق أزمة الثقة بين القواعد الثورية والطليعية ، فبقدر ما تنتفخ أوداج القيادة وتثبت للقواعد الثورية قدرتها وإحاطتها على جمع المعلومات والأخبار عن قواعدها بالسرعة المخيفة !!

بالقدر الذي يفرز حالة من الإحباط والتذمر لشعور الفرد المجاهد وإنسان التغيير أنه يقف وراء ظاهرة تجسسية مخابراتية تفقده الثقة في هذه المؤسسة وتجعل الفرد الأمني يحمل الحقد عليها ومركباتها بما خلقته من أجواء الرعب في المركب الفردي وتزاحم هذا الشعور يدفع بالرعب نحو أجواء الانتقام وهذا هو السر في سقوط عشرات الرجال الأمنيين في شراك المخطط المعادي بسبب حقده على المؤسسة والجمهور لخلطه في المفاهيم .. وهنا لزم تجاوز أزمات الثقة والدفع بالمشاعر الإنسانية بأن الخادم الأمني هو خادم للوطن وليس بوليس قهري ضد الجماهير سرعان ما ينسحب في مهماته لصالح العدو الغاصب للوطن . هذا وفي ظلال التبادل الأمني الفردي والجماعي يخفت صوت الثقة وحزام الأمان في المركب الأمني إلى الإعلاء من منهج ميكافيلي محدد الهوية فيه : الغاية تبرر الوسيلة ..

إن هكذا تقرير يفقده المنهجية الرسالية المرتكزة على التناصح … وإن هذا الوصف لا ينطبق على التقرير الأمني الذي يتعامل مع ظاهرة الجواسيس أو العملاء فهذا جانب آخر !! وأما إذا كان التقرير هو وسيلة فإنه يتعامل مع القواعد الثورية بالمنطق الأمني الاستخباري ــ لهذا فإننا ننصح في التسجيل الخاص بالتقارير الحركية التي تدرس أوضاع القواعد وعلاقاتها أن يتم إخبار الفرد بالتقرير المرفوع عنه والأفضل منه هو اطلاعه عليه وطلب القيادة الميدانية منه التوقيع حتى لو لم يحظى باحترامه أو الموافقة عليه ومن ثم توقع على التقرير لجنة متابعة عامة أو خاصة تكون مطلعة بهذا الخصوص .. إن هذا النموذج النقدي البنائي ينقل التقرير من دائرة الاستخبارات الداخلية والأمن المفتوح إلى الدائرة البنائية الإيجابية التي تتجاوز بالحالة الجمعية أبواب الشك الجمعي بالحالة ذاتها وينقل الحالة الإيجابية خارج بوابات الظنون والعقل التآمري وهوا لذي يفقد الإخلاص في القواعد العاملة . ولهذا فعلى القيادة الصالحة أن تكلف القادة الميدانيين في كل الساحات أن يوجد توقيع الشخص المرفوع عنه التقرير ، أما التقارير الفردية المفتوحة مع القيادة فتفقد كما أشرنا الظاهرة الجمعية التوحيدية خصوصياتها .

من هنا لزم على القواعد المجاهدة الطلب بتوصيل الخطاب أو الشكوى أو الإرشاد إلى القيادة العليا ، وهذا يلزم لإنضاجه أن تنضجه أولا لوائح عقابية ومقررات داخلية تحدد الأنماط العلائقية بين الأفراد والقيادة ، فاللوائح الضامنة التي تعطي القيادة الميدانية واجباتها وصلاحيتها هي التي تتجاوز بالحالة نحو التوحيد الجمعي ، والوحدة النضالية ، فالتقرير الفردي للقيادة خارج هذا السياق يعمق الأزمة ويصعد من طبيعة التناقض في الصف الواحد .. ويلزم زرع قاعدة مهمة في أوساط العمل التغييري يكون أساسها : أن مقدم التقرير الكيدي والحسدي هو خائن للأئمة ، وكما أرسينا في طوال مباحثنا النضالية في الانتفاضة الفلسطينية الأولي قاعدة : أن الاعتراف في التحقيق الصهيوني والمعادي خيانة !! فإن كتابة التقرير الكيدي هو أصل الخيانة واصل البلايا في منظومة العمل الثوري والمجتمعي .

3ـ ألا يكون التقرير تعبيرا عن أزمة ذاتية أو حزبية أو خلاف ذاتي مع القواعد الحزبية تفقده موضوعيته واتزانه . وحتى نتجاوز بالتقرير لآن يكون

[حالة أزموية ]

لا بد أن نؤكد على المصداقية بين القائد الميداني وقواعده ـ وبهذا فالتقرير المنهجي هو تقرير غير حزبي أو شخصاني فردي ، فالشخصانية تصنع المحاور الفردية والتقرير الشرعي المنهجي هو جزء من طبيعة الحالة الثورية ومواصفاتها ، وهو تعبيرا وإفرازا عنها ، فالحركة الحضارية في بنائها يغلب على تقاريرها الطابع الحضاري والمصداقية الحضارية ، وإلا كان أداة لحرف الحالة وتفتيت القيادية وتغذي ظواهر الإستزلام الملازمة للسياسات الدكتاتورية ، من هنا فالتقرير وحدتها .. فالتقرير المنهجي هو الذي يوحد ويصعد الحالة البنائية .

4ـ أن تكون المادة المعلوماتية خاضعة في نقولاتها للمرتكزات الشرعية ، ولهذا فإن المعلومات المأخوذة بطرق غير شرعية مثلا التجسس يحرم الاعتماد عليها حتى ولو كانت صحيحة لأن ما وراء الحرام حرام وهذا ما أخذ به جميع الفقهاء ، إلا في أطر نادرة . فالتصنت على الجدران أو تسجيل الأشرطة أو المكالمات بين الأفراد بحجة الأمن يفقده طابعه ويعطي الإحساس للقاعدة بأنها أمام ظاهرة استخباري ..

5 ــ ألا يحتوي التقرير على أدوات القذف أو الطعن أو الاتهام بدون أدلة واضحة خصوصا في التقارير الأمنية التي تخصص في الجانب الأمني المعادي ، وفتح أبواب الاتهامات يفقد الموضوعية في التقرير ويجعل التقرير لا يتصف بالشرعية أو الربانية ، من هنا فالتقرير الشرعي هو تقرير أخلاقي في معلوماته وأهدافه وغاياته .. بعيدا عن أساليب الخداع الذاتي المحرمة .. وبعيدا عن التضخيم والتهويل والتزييف الذي يفقد التقرير هدفه وغاياته البنائية . وعلى المجاهد أن يحس خلال كتابته للتقرير أنه ليس عضوا في جهاز استخباري أو في مؤسسة استخبارية وبأنه عضو في حركة ربانية مجاهدة تدعو للسمو الأخلاقي منذ البداية .

6 ــ أن يكون التقرير الوصفي للحالة تقريرا ظرفيا متوازيا مع الحالة الزمنية الموصوفة ، وهذا ما يسهم في العمل البنائي الزمني للحالة ، ففوات الأوان عن الحدث يجعل التقرير يغلب عليه الطابع القصصي ويجعله خارج سياق التاريخ والواقع .. ويثير علامات الاستفهام لمسجله بأثر رجعي !! والاحتجاج على وجهتنا بأن جمع المعلومات تسهم في عمليات التحقق نؤكد على أن الفقهاء قد أسقطوا الأحكام عن الشهادات المتأخرة عن الفعل أو الحدث . فالظرفية الزمانية المتأخرة للتقرير لا تخرجه عن منهجيته وربما تدفع بمسجل التقرير لربطه بمعطيات جديدة وهذا ليس من شأنه ، بل من شأن الجهة المخولة بالتحليل الخبري للتقارير المقدمة .

7 ــ أن يرتكز التقرير على التبين الشرعي في المادة المنقولة بالارتكاز على القرائن العقلية الشرعية والدليل المنطقي العقلاني هو الذي يدفع بمنهجية التقرير ويجعله محكوما بالأسس الشرعية الربانية ..

8 ــ أن يكون التقرير المقدم مشفوعا بالقسم ثلاثا من مقدمه على صحة المادة المنقولة بعيدا عن الاجتهاد في فهم الخبر أو تأويله وتحليله ، فالقسم هو الذي يؤكد الحالة ويحدد طبيعة الفرد المجاهد شرعيا وحركيا .. والتقرير أساسا هو الذي يكشف عن الطبيعة الذاتية للعضو الذي يقدمه , ومن خلاله يمكن تحليل عقليته وميوله . وفي ضوء القراءة التحليلية النفسية وحالة الميول يمكن فهم أي حالة التي يوجه الفرد له تقرير وقياس مدى الثقة فيها ومركبات القبول للحالة لهكذا تقرير هو الذي يحدد صحتها الموقفية وبناء على حالة القبول يمكن إعطاء محددات التقييم لهذه الحالة المقدم لها .

9ـ التقرير المنهجي الشرعي هو الذي يدفع بالحالة إلى منطق التوازن والعدالة بين القواعد المجاهدة العاملة ولهذا يلزم أن يكون حربا على الظلم وثورة ضد الظالمين والله تعالى يقول :

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } : هود18

ولهذا فالدقة في التقرير وتحري الحقيقة هو الكفيل برفع الظلم عن الأفراد وعن الحالة التغييرية بشكل عام ولهذا فعندما يقرر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القاعدة : [ أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ] فإنه يدعو القيادة الميدانية والأفراد على إحقاق العدالة :

[ قالوا : يا رسول الله .. هذا ننصره مظلوما فكيف إن كان ظالما ؟ قال : تأخذ فوق يديه ] [ وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

[ انصر أخاك ظالما أو مظلوما ] قيل : يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ قال [ تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره ] انفرد به البخاري من حديث هشيم به نحوه وأخرجاه من طريق ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ انصر أخاك ظالما أو مظلوما ] قيل : يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال [ تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه ] وقال أحمد : حدثنا يزيد حدثنا سفيان بن سعيد عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال :

[ المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ] وقد رواه أحمد أيضا في مسند عبد الله بن عمر ] (20)

من هنا كان التقرير حتى ولو كان يخالف الهوى الظالم فهو دعوة ضد الظلم الذاتي ، فالقيادة مسئولة عن ظلم الأفراد لذواتهم ولأنفسهم ـ والحالة التغييرية السلبية هي التي تدفع قواعدها نحو الظلم الذاتي [ الانتحار ] .. لهذا يحرم التقرير الظالم الذي يخالف الحقيقة ويلزم محاسبته بشدة ميدانيا وحركيا يقول تعالى :

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء }إبراهيم 42 ، 43

يعني لا عقول لهم ، ولهذا يضيف النبي المصطفى صلى الله عليه و؟آله وسلم بقوله : [ الظلم ظلمات إلى يوم القيامة ] .

[ اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ]

( 20)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ج 18/ 21 قوله تعالى : “والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( 9

= تفسير القرآن العظيم المؤلف : إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء ج 2/5 = الجامع لأحكام القرآن المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي أبو عبد الله ج6/5 = لجامع الصحيح المختصر المؤلف : محمد بن إسماعيل أبو عبدا لله البخاري الجعفي ، الناشر : دار ابن كثير ، اليمامةبيروت الطبعة الثالثة ، 1407 – 1987تحقيق : د. مصطفى ديب البقا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة – جامعة دمشق ج2/ 368 رقم 2311

[ والمعنى : أن الأرض أضاءت وأنارت بما أقامه الله من العدل بين أهلها وما قضى به من الحق فيهم فالعدل نور والظلم ظلمات وقيل إن الله يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض فتشرق به غير نور الشمس والقمر ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي فإن الله سبحانه هو نور السموات والأرض قرأ الجمهور

{ أشرقت } مبنيا للفاعل وقرأ ابن عباس وأبو الجوزاء وعبيد بن عمير على البناء للمفعول ووضع الكتاب قيل هو اللوح المحفوظ وقال قتادة : يعني الكتب والصحف التي فيها أعمال بني آدم فآخذ بيمينه وآخذ بشماله وكذا قال مقاتل وقيل هو من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه : أي وضع الكتاب للحساب { وجيء بالنبيين } أي جيء بهم إلى الموقف فسئلوا عما أجابتهم به أممهم { والشهداء } الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } وقيل المراد بالشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله فيشهدون يوم القيامة لمن ذب عن دين الله وقيل هم الحفظة كما قال تعالى : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } (21)

يقول ابن عباس :

[اتق دعوة المظلوم فإنها ليست ببنها وبين الله حجاب ] (22(

_____________________________________________

(21) الشوكاني : ( فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ) : ج4/ 677

(22) تفسير القرطبي ج 5/ 48 قوله تعالى : وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا : 8

ونتواصل في تحليلنا للظاهرة بمزيد من التوسع في الحلقات التالية

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين المنتجبين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بقلمي أخوكـــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخ والمفكر الاسلامي التجديدي

محمد حسني البيومي

الهاشمـي

**************

أهل البيت عليهم السلام

فلسطين المقدسة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في مواقعنا

موقع مركز دراسات أمة الزهراء عليها السلام

http://elzahracenter.wordpress.com/2010/08/29

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق